لن نرضع .. لنسوق!

تم نشر هذا المقال عام ٢٠١١ ، ولأن شائعة مغرضة عادت لتنتشر مرة أخرى أعيد نشره في مدونتي للمرة الثانية وكان قد نشر أيضا في موقع منبر الحوار  والابداع

لن نرضع .. لنسوق !

أمل زاهد

تستدعي كثير من عجائبيات ومهازل خصوصيتنا السعودية العصماء الضحك والسخرية، ورغما عن أنف قلمك ستجده مجبرا على مقاربتها من باب التندر والسخرية، فشر البلية ما يضحك .. وهو ضحك– لعمري- أشبه بالبكاء، فالتعامل مع الأوضاع اللامنطقية البعيدة عن العقل والعقلانية يقتضي السخرية اللاذعة؛ وتوسل حسك الساخر علّه ينتشلك من واقعك المرير ويخفف من لذع تلك التناقضات العجائبية ..! تقع قيادة المرأة السعودية للسيارة على رأس جدلياتنا العجائبية التي ينبري لها المناهضون رفضا وممانعة ودراسات وفرضيات ستدك فيها قلاع الفضيلة في حال استلمت المرأة مقود السيارة..! بينما يستل المدافعون عنها أسنة أقلامهم ليشبعوها دفوعا ومناصرة وحججا اقتصادية وأمنية وخلافه، وكل حزب بما لديهم متمسكون ولن يقتنع أي منهما بحجج الآخر؛ حتى ليبدو الحوار بين الحزبين أشبه بحوار الطرشان.. وهنا لا بد أن ينتابك شعور مرير بالعبث واللاجدوى فلا زلنا نناقش قضايا تجاوزها الزمن والتاريخ بل والجغرافيا معا، فلا يوجد امرأة على وجه البسيطة محرومة من حق سياقة مركبتها وحرية التنقل وقضاء حوائجها سوى المرأة السعودية..! من هذا المنطلق الممعن في السخرية ومن الشعور الممض بعبثية هذه الجدليات، تناولت قضية قيادة المرأة للسيارة العام الماضي في مقالة ساخرة بجريدة “الوطن” بعنوان “يا نسوق.. يا نرضع” وذلك على خلفية الفتوى الأشهر من نار على علم للشيخ العبيكان المجيزة لإرضاع الكبار..! وكان عنوان مقالتي مقتسبا من تعليق تفاعلي ساخر على شبكة الانترنت ينادي بحملة وهمية افتراضية، تهدد فيها النساء الرجال بإرضاع السائقين في حال لم يسمح لهن بالقيادة..! وهنا تلقف بعض محبي إثارة الفرقعات الإعلامية عنوان المقالة دون القاء بال لمحتوى المقالة نفسه، وراحوا ينسبون لي رفع لواء حملة لقيادة المرأة للسيارة تحمل عنوان مقالتي..! وعبثا كتبت أوضح أن مقالي كان ساخرا رمت منه نقد الفتوى الشاذة، وأكدت من خلاله أن الفتاوى الشاذة تقود بالضرورة إلى فهم شاذ مؤكدة ذلك باستشهادي بعدد من التعليقات التفاعلية؛ أو تصبح مدعاة للتهكم والسخرية في عالمنا الصغير جدا والذي يكفي أن تعطس فيه لتصل أصداء عطستك إلى الدنيا بأسرها، وبذلك تسيء هذه الفتاوى الغريبة الشاذة إلى ديننا العظيم وتشوه صورته وتجعل منا مضغة في أقلامهم وإعلامهم..!

الطريف أن عنوان المقالة لا يزال يلاحقني، فبعيد مبادرة منال الشريف الشجاعة نشرت جريدة “الرأي” الكويتية ذات الخبر عن حملة أقودها رافعة شعار (يا نسوق..يا نرضع)، وراسلني بعض الأصدقاء والصديقات ليستفسروا عن صحة الخبر..! لن نرضع.. لنسوق يا سادة ياكرام، ولن نطالب بحقنا المشروع في قيادة السيارة وحرية التنقل وقضاء حوائجنا عن طريق استخدام الفتاوى الشاذة المسيئة لديننا والمهينة لكرامة المرأة، بل سننال هذا الحق عاجلا أم آجلا فلا يمكن الوقوف في وجه سيرورة التاريخ..! ولا بد أن تأتي مطالبتنا بهذا الحق من منطلق حقوقي مدني لا يقحم الفتاوى أو الدين، ولا يتورط في دفوع تسرد مثالب السائق أو الحجج الاقتصادية وخلافه ، فالقضية قضية حق مستلب من المرأة السعودية لا يصح حرمانها منه وكفى بذلك حجة. لا يجب في تقديري أيضا الانزلاق للاستفتاء على هذه القضية، فالحقوق لا يُستفتى عليها ولو كانت نسبة الراغبات في ممارسات هذا الحق ضئيلة جدا فلا يصح حرمانهن من هذا الحق..!
منذ أن انطلقت الرائعة منال الشريف بمبادرتها بقيادة سيارتها، وتلا ذلك سجنها ثم الإفراج عنها وجدلية القيادة تحتشد في المنابر الصحفية وتدبج فيها المقالات وتفرد لها البرامج الحوارية على الفضائيات؛ بل واحتلت حيزا كبيرا في الصحافة الأجنبية مطلقة الكثير من التساؤلات عن أوضاع المرأة السعودية وحقوقها. وستظل القضية تشتعل حينا وتهدأ حينا آخر حتى يقضي القرار السياسي أمرا سيكون مفعولا، فلا يمكن القضاء على الممانعة الاجتماعية والجدليات العقيمة المهدرة للعقول والوقت إلا بقرار سياسي شجاع يضع الأمور في نصابها.

مللنا من تكرار هذه الجدليات البائسة التي استهلكت أقلامنا ومشهدنا الثقافي وسئمنا من الرد والرد المضاد، ومللنا سماع الدفوع المناهضة والأخرى المدافعة، بينما الحل في يد السياسي يفعّله وقتما يشاء وحينها سينتهي الجدل العقيم وسيصمت الممانعون.. ألم يحن وقت انبلاج هذا القرار بعد؟!

مضاد للجن!

 

لم تكن تغريدة الرَّاقي الشرعيِّ، الذي زعم أن جنِّيًّا يراسله على جواله بدعًا من الثقافة، فسنجد مفردات الخرافة، والتغييب، وتسويق الوهم والأكاذيب تجري ليس فقط على ألسنة العوام، بل وصلت خزعبلاتها إلى بعض المتعلّمين، وفيهم أصحاب تخصّصات علمية! وليست قضية (قاضي الجن) عنّا ببعيد الذي اختلس ٦٠٠ مليون ريال، موظِّفًا العقل الخرافي، وسطوته على الثقافة والمسارات الذهنية للعقل الجمعي! بل إن سوق بيع أوهام السحر والشعوذة، وسيطرة الجان على الناس، وتلبّسهم بهم يشهد ازدهارًا حاليًّا، وسلعه وضلالاته تجد رواجًا كبيرًا في المجتمع، وتنتشر انتشار النار في الهشيم. ممّا يحتم إثارة الأمر كقضية رأي عام لما تسببه من تدمير للأفراد والأسر والمجتمع! وهنا لابد من الأخذ على أيدي تجار الرقية الذين يقتاتون على مخاوف الناس وقلقهم وأمراضهم النفسية، زارعين في نفوسهم وَهْم قدرتهم على حل مشكلاتهم، بينما هم في الحقيقة يلقون بهم في دوامة ليس لها قرار! ممّا يقتضي أيضًا فتح المجال للأصوات الواعية من أمثال الشيخ علي العمري، الذي أكد سابقًا أنّه لا يمكن للجنّ التلبّس بالإنسان من خلال الحالات التي رآها.

لو تأملنا من حولنا سنجد أن تفسيرات الوقائع في المجتمع يسيطر عليها العقل الخرافي، وهنا يصبح اللامعقول واللامنطق سيّدًا على المنطق! وعندما تحضر الخرافة يتوارى التفكير العقلانيّ القائم على مَنْطقة الأمور وإحالتها إلى أسبابها الموضوعية، ويرتفع صوت الماورائيات بتهويماتها وضلالاتها!

وبدلاً من حل مشكلة بين الزوجة، وزوجها، والبحث عن جذرها، وأسبابها، يحال السبب للخادمة الساحرة التي أخذت من أثرهما، وهي راحلة إلى بلادها، ثم أردتهما سحرًا قويًّا، الذي وياللعجب.. لا يبطل تأثيره رغم توالي الرقاة! وهلم جرّا في كثير من الخلافات والقضايا الأسرية، بل والأمراض النفسية التي تُحال للمشعوذين، وتجار الرقية بدلاً من الأطباء النفسيين، أو الاستشاريين الاجتماعيين، والمفارقة أن يخاف المرء من حبّة دواء التي يكتبها الطبيب النفسيّ، ولكنه لا يرتعب ممّن يزرع الخرافة والأوهام في عقله!

عندما تحضر الخرافة أيضًا يرتفع صوت غريزة الخوف عاليًا، وتتعطّل قدرات الإنسان في التحليل، ومنْطقة الأمور وإرجاعها لأسبابها، فيرتكس إلى البدائية، وترتعد فرائصه خوفًا حتى من ظله، ويسهل السيطرة عليه وحقنه بشتّى أنواع الإيحاءات! ولإحكام تمام السيطرة تقمع الأسئلة العقلانية، ويشهر السلاح الأمضى، وهو التشكيك في العقيدة والإيمان بالغيب، إذا ما تجرّأت على تفصيح الأسئلة، بينما شتان بين الإيمان بالغيب، والتردّي إلى مهاوي الخرافة!

يؤكد البروفيسور إبراهيم بو خمسين استشاري الطب النفسي أنه يعالج بعض مرضى ضلالات الجن بالعقاقير (النفسية)، وعندما يبدأون بالتحسّن يرمي حجر السؤال في عقولهم قائلاً: إمّا أنّه لم يكن هناك جنِّي من الأساس، وإمّا أن العقار الموصوف ليس إلاَّ مضادًا للجنِّ.. وهو بالتأكيد ليس كذلك!

  أمل زاهد

رابط المقال في المدينة

http://www.al-madina.com/node/645356

الأزمات وظلال البؤس

الأزمات وظلال البؤس

” إنني أشرع الآن في تدوين تاريخ فترة غنية بنكباتها ، جهمة بحروبها ، ممزقة باضطراباتها ، ووحشية حتى في ساعات أمنها . المدينة تجتاحها النيران ، والمقدسات تستباح كل يوم ، والفجور يملأ حياة الصفوة من الناس . البحار تكتظ بالمنفيين ، وصخور الجزر نفسها ملطخة بالدماء . حمى هوجاء سادت المدينة ، وكل شيء جريمة : النبل ، والشرف ، والجاه ، والمال ، وقبول المناصب أو رفضها – كلها جريمة . أما الفضيلة فهي الطريق المؤكدة للدمار …”

 تبدو الفقرة السابقة مألوفة حد الدهشة ، معبرة حد الذهول،  وواقعية وصادقة حد المرارة والألم . وكأنها ترينا صورة لزمننا وحياتنا في مرآة كاشفة تسقط الضوء على دقائقها، ولذع وقسوة أوجاعها، وجموح أنوائها وتقلباتها !.. وكأنها كتبت عن الفترة الزمنية التي نعيشها حاليا في عالمنا العربي ” السعيد “، وكأنها  تتحدث عن مدننا المنكوبة بأزمنة الجنون والكراهية والطائفية والعبث والفوضى والجماعات الإرهابية والتفجيرات والنحر والذبح والحرق وأكل الأكباد واجتثاث الأرواح !.. عندما يصبح اللامنطق سيدا على العقل والمنطق ، وعندما يتجلى حلم الخلاص في سفينة قد تأخذ المهاجر إلى حتفه .. ولكنها حتما سترحمه وتكون به أرفق من معاشرة الجنون ، ومعاقرة الواقع وبؤسه وسوداويته !

الفقرة الآنفة الأولى التي توقفت أمامها كثيرا وأنا اقرأها ليست إلا افتتاحية كتاب تاسيتوس ، إذ شرع في تدوين تاريخ روما قبل حوالي ألفي سنة ، وهي تدور على لسان الكاتب علاء وهو يحاور بطله رياض في رواية ( عالم بلا خرائط ) التي كتبها المبدعان عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا . يترجى البطل رياض مؤلفه حتى لا يجعل منه شخصية في تلك البلاد ،  بل ولا حتى عابر سبيل في مدينة تجتاحها النيران وتستباح فيها المقدسات كل يوم ! ولكن رياض في النهاية ليس إلا شخصية ورقية ، تنحت ملامحها وخطوطها الحروف والكلمات ، يبدعها المؤلف ويملك بيده مصيرها المفتوح على كل الاحتمالات ، ” بينما الواقع أشد غرابة من الأدب وذلك لأن الأدب ملزم بالخضوع للاحتمالات .. على عكس الواقع ” كما يقول مارك توين .

قد يتخلص رياض من مصير بائس كتبه عليه مؤلفه ، ولكن يبقى الإنسان العربي يصارع واقعه،  ويقتات على بؤس أيامه ، ويعتاش على ذوائب حلم .. يرن في أذنيه بأن لابد لليل الطويل من صبح يقشع صلدة سواده ، ولابد للنفق المظلم الطويل من نهاية تخرج به إلى النور .

ظل المثقف العربي في حالة تشبه الذهول بعيد الانتفاضات التي اجتاحت عالمنا العربي ، فهو لم يكن شريكا في صناعتها ، ولا حتى منظرا لها ، بل رآها تسقط عليه من سماوات العوالم السيبرانية وتولد من رحم المفاجأة ، ومن تلافيف الشعور الممض بهدر الكرامة ، وبعدم وجود مايخسره شباب الثورات الذين انطلقوا يهزون الأرض بأقدامهم ويشقون عنان السماء بصرخاتهم الثائرة . لم يلبث المثقف أن تشبث بالحلم وتلفع بالأمل بواقع جديد مختلف ، حافل بمفردات طالما تشوف لها ودوزن شعاراته على ترانيمها، فخالجه الأمل وظن أنه قاب قوسين أو أدنى من الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية والمشاركة الشعبية . ليكتشف أن الربيع المزعوم تحول إلى كابوس طائفي بات يجثم على صدورنا جميعا ويهددنا بحرق الأخضر واليابس ، وتحويل أوطاننا العربية إلى كانتونات طائفية تفتتها الكراهية والصراع والأحقاد ! ولعلّ خرس الأقلام وصمتها في هذه الحالة مشروعا ، فما يحدث مربك حد الذهول والفجيعة  ، ومايحدث يجعل الدهشة والحيرة تعقد ألسنة الأقلام وتعيق تدفق الكلمات .  فهل تستطيع كلمات العالم بأسره أن تجيب على أسئلتنا المعلقة في الفضاء والتي تتلوى بحثا عن إجابات ؟! وماذا تفيد الكلمات عندما تقتل الأحلام في الأحداق وتجهض المنى وهي بعد في مهدها ؟! وماذا تفيد الكلمات في عالم يبدو أنه فقد الرشد ، وعقُمت فضاءاته عن استيلاد معاني للأشياء ؟! ماذا تفيد الكلمات وقد أصيبت بقعتنا التعيسة من الأرض بلوثة الكراهية والصراعات والدماء والقتل وشهوة السلطة والاستبداد ؟! ماذا تفيد الكلمات حين يتساوى الخير بالشر ، والفضيلة باللافضيلة ، والصدق بالكذب ، والوطنية بالمتاجرة بالأوطان ، والشرف بالخيانة ، ومرتزقة الإعلام بالأقلام الحرة ، والدين بالمتحدثين باسمه وهو منهم براء ؟!

والسؤال هل يستطيع الأدب والإبداع أن يكون استباقيا للواقع ومستشرفا للمستقبل في ظل كل هذا الكم  من الفوضى والجنون وعدم الاستقرار وانعدام الوثوقية الذي نغرق فيه اليوم! فكل ماحولنا يقول أنه يصعب على المثقف قراءة واقع متأرجح ملتبس عبثي حد الجنون ، ليخرج منه بخلاصة موثوقة يقدمها كوجبة لقرائه ومتابعيه تساهم في قشع ضبابية الصورة وإجلاء ما غمض منها . فكل الأمور والوقائع والأحداث تبدو متأرجحة وزئبقية ، وعصية على القراءة ناهيك عن التمثل والفهم ! لعلّ الإبداع يبدو ترفا في ظل هذه الظروف ، التي يرى فيها الكاتب أن مهمته الأولى هي تأسيس الوعي وبذر المحبة ونقض وتفكيك خطاب الكراهية . ولكن تبقى للابداع دوما طرقه وأساليبه  التي يحاول بها التحايل على بؤس الواقع ، واجتراح فضاءات وأجناس جديدة من وسائل التعبير . وكما ولد من رحم الحرب العالمية الثانية مسرح وأدب اللامعقول ، قد يستولد لنا هذا المخاض ألوانا جديدة من التعبير ، تتساوق مع عذابات المرحلة وشدة أنوائها !

 في عتمة كل هذا البؤس  يبدو الاحتفاظ بالأمل والتفاؤل فعل مقاومة ، يقوم به الكاتب أو المبدع ليتحدى العبث الذي لايفتئ يقذف عليه غرائبه وعجائبه ! وهنا يبدو الإمساك بالقلم وإطلاق سراح الكلمات ، واستمطار الأمل وانتزاع الحلم من براثن اليأس واللاجدوى فعل بطولة يستحق الإشادة ، لابد أن تقوم به الأقلام الصادقة لتحاول بث الأمل وحقن الجمهور بالقدرة على الحلم .. لابد  من استحضار قوة الكلمة وقدرتها على صناعة التغيير ، فلا شك أنه في البدء كانت الكلمة !

وأختم بمقولة الكاتب الروسي انطون تشيكوف :” أكتب لأبين للناس كم هي سيئة ومملة حياتهم ، فحينما يدركون ذلك سيسعون حتما لتغييرها .. ولن أكون شاهدا على ذلك التغيير “

أمل زاهد

http://www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?Id=4636رابط المقال في المجلة العربية

حتى لا ينهش شبابنا لحومنا

حتى لا ينهش شبابنا لحومنا !

للمرة الخامسة خلال عام واحد تقريبا يستهدف الإرهاب الداعشي بيوت الله ،   هذه المرة في نجران الحبيبة . وللمرة الخامسة نتألم ونفجع في شهداء للوطن ؛ تغتالهم أيدي الغدر والمروق والخيانة . وللمرة الخامسة أيضا نضرب كفا بكف ونكرر ذات الأسئلة ، عن أبنائنا الذين ينهشون لحومنا ؟!  وكيف يعود من نوصح بالأمس ، وأطلقنا عليه مسمى ( مغررا به ) ، ليغرر بالوطن وأهله ، ويمارس أعتى وسائل الإرهاب إجراما ودموية داخل بيت من بيوت الله ؟!.. إلى آخر ما نكرره كل مرة يضرب الإرهاب هدفا له في وطننا الغالي ، حتى أصبح الحديث اجترارا عقيما ، فهو لايخرج من طور المقاربة والتنظير إلى التفعيل وبناء استراتجيات محكمة لمحاربة الإرهاب فكريا قبل كل شيء . ولعلّ تكرار مايحدث مع العائدين من برنامج المناصحة ، ينبئنا بضرورة إجراء تغيير نوعي ، بداية بتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية ، وصولا لاستبدال آليات العلاج بأخرى أكثر فعالية مبنية على أسس علمية نفسية ، مما يستدعي أيضا مراجعة كوادر المناصحة نفسها وأهليتها .

يشكل الشباب ممن تحت سن الثلاثين أكثر من ٦٠٪ من سكان المملكة ، مما يضعنا أمام تحدٍ صعب ، حتى نستطيع احتواءهم وتعميق شعورهم الوطني ، فضلا عن إشباع حاجاتهم النفسية والمعنوية ، ورغبتهم في المجد والإنجاز ، وشعورهم أنهم يمتلكون زمام مشروع يحققون به ذواتهم ،ويشعرون من خلاله بالفخر والاعتزاز بهويتهم . فغني عن الذكر أن مرحلة الشباب هي المرحلة المتقدة بالحماس، والرغبة في تحقيق إنجاز ملموس قد يدفع الشباب للتضحية بأنفسهم . فضلا على حاجة الشباب للترويح وضرورة تربية ذائقتهم الجمالية بالفنون الراقية التي تهذب وجدانهم . فماذا أعددنا لهم ؟!

إن الشباب المهمش الخارج عن دائرة الفعل والمشاركة قنبلة موقوتة وهدف سهل للاصطياد ، وتوظيف حماسته ورغبته في البحث عن المعنى والقيمة، وذلك باستغلال شعوره المثقل بالعجز والانكسارات والخيبات العربية ، وباللعب على أوتار حاجته النفسية للإيمان بقضية والدفاع عنها بكل مايملك حتى لو كانت روحه التي بين جنبيه . وبطبيعة الحال تشكل العاطفة الدينية حجر الزاوية هنا فهي الأسهل توظيفا، فهي تكسب الهدف قيمة مزدوجة دنيوية وأخروية في ذات الوقت .

والمتأمل في شريحة الشباب من حولنا ، لابد أن يلاحظ أن هناك أزمة هوية عميقة عند كثير منهم ، والسؤال الأهم كيف نستطيع تجذير المواطنة وتعميق الشعور بالانتماء ، فيما يعاني مفهوم الوطنية نفسه من اللبس والخطل ، فهناك قراءة دينية تربطه بالكفر، «فلا فرق بين المسلم والكافر لأنهم أيضا يقاتلون من أجل الوطن، ولا يحسب شهيدا من يقاتل فقط دفاعا عن الوطن ” حسب تلك القراءة .

وأعود للتساؤل ماذا أعددنا للشباب وتحصينهم من أنواء الدعشنة من جهة ، ومن رياح العولمة الثقافية الاستهلاكية التي تغرقهم في مستنقعات التسطيح والتسلية الرخيصة وهدر الطاقات من جهة أخرى ؟

أمل زاهد

http://www.al-madina.com/node/639723

رابط المقال في جريدة المدينة

الشيطنة والمثلنة في الخطاب النسوي !

الشيطنة والمثلنة في الخطاب النسوي !

كثيرا ما ينتهج  الخطاب النسوي ذات المنهجية ويتبنى نفس الآليات التي يستخدمها خصومه ضده ؛ فيتورط في ثنائية الشيطنة والمثلنة – على سبيل المثال- ؛  ويستخدم ذات التعميمات المجحفة والإطلاقات المنمطة ! وهنا تتم مثلنة الذات وشيطنة الآخر ؛ والذات هنا المرأة ( بالمطلق ) والآخر بطبيعة الحال هو الرجل ( بالمطلق ) .. فيصبح الرجل والرجل فقط سببا لكل مايحل بالمرأة من ظلم وقهر ؛ ومصدرا لكافة الشرور والمصائب  ! وهنا يشحذ الخطاب النسوي عضلاته ويستأسد في إطلاق التهم على جنس الرجال بالمطلق ؛ وعلى الذكورية ” الغاشمة”  التي مافتئتت تستلب المرأة حقوقها؛ وتمضي في إيغال نصالها في الجسد الأنثوي المهضوم الاستحقاقات ؛ فتصبح الذكورية  هي السبب في حرمان المرأة من قيادة السيارة ؛ والذكورية أيضا هي وراء استلابها الاعتراف بأهليتها الكاملة ، وهي أيضا المسؤولة عن ظلمها في المحاكم؛.. وهكذا تصبح الذكورية سببا وليس نتيجة ! وذلك في تبسيط مخل وتسذيج للقضية ؛ بحشرها في خانتي الأبيض والأسود فقط ؛ وفي تغافل عن كون الرجل والمرأة- معا- مرتهنين لمجتمعات سلطوية تقمع الفردانية ؛ وثقافة تحكمها سلسلة من التراتبيات الأبوية البطركية ؛ بمختلف أنواعها السياسية والدينية والاجتماعية . فالذكورية  لم تسقط علينا كسفا من السماء ؛ بل هي إحدى نتائج تحكم تلك التراتبيات وسيطرتها على المجتمع ومنظومة علاقاته . والرجل والمرأة معا تتحكم فيهما ذات النوازع البشرية وتتصارع داخلهما دوافع سلوكية وطبائع خلقية ونفسية قد تقودهما إلى الخير ؛ أو تدفعهما للشر،وكلاهما مطالب بجهاد النفس وتقويمها وتشذيب ماأعوج منها .

المؤسف والخطير أن تبني الآليات الآنفة الذكر يحول قضية المرأة إلى عراك ممجوج وصراع عقيم بين الذكورة والأنوثة ؛ وينتزعها من سياقها الإنساني  كبوابة لحقوق الفرد المقموع والذي تشكل المرأة الحلقة الأضعف منه . وهكذا تتفتت القضية وتتشرذم ويذهب ريحها وتفقد التعاطف المجتمعي معها . وبدلا من أن تصبح قضية جامعة يرفع لواءها كل المتشوفين للحرية الطامعين في القضاء على أسباب التخلف ؛ تتحول إلى تشرذمات وانقسامات وجدليات عقيمة لا ينطفىء أوارها إلا ليعود للاشتعال من جديد .

كثيرا أيضا ما يتورط الخطاب النسوي في الانحباس داخل أفلاك المطالب الفئوية الضيقة  ؛ مما يفقده ليس فقط التعاطف بل المصداقية على حد سواء .  فالإغراق في الفئوية والتراجع عن المطالب الشعبية للشارع؛ والتي ارتفعت نبرتها في مواقع التواصل الاجتماعي ؛ يشكل حاجزا نفسيا بين عموم الناس وبين المطالب النسوية . فهل يعقل أن يتحدث الخطاب النسوي عن انجازات المرأة في مجلس الشورى  بينما ليس للرجل نفسه انجازات تذكر فيه ؛ كونه لايزال محصورا في أطر الاستشارية والتعيين بعيدا عن التشريع والانتخاب ؟!

أمل زاهد

http://www.al-madina.com/node/596085/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%86%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A.html

مقالات عن المرأة

المرأة السعودية في قبضة المتناقضات !

تتأرجح حياة المرأة السعودية ومصيرها ذات اليمين وذات اليسار بين بندول ثنائيات شديدة التناقض يحتار المرء في فهمها ناهيك عن منطقتها .  وضع الدكتور عبدالله العلمي يده على أحد هذه المتناقضات العجائبية عندما كتب : ( المرأة السعودية ناضجة وجاهزة للزواج في سن العاشرة، لكنها في سن الأربعين قاصر وتحتاج لولي أمر لإدارة شؤونها) . وهنا تبدو الصورة مقلوبة فهي تفترض نضجا “مبكرا ” يستحيل تحقيقه في فتاة العاشرة ؛ وتنسف نضج المرأة الأربعينية الكامل وتستلب منها الأهلية ! وتتوالى الصور ..  فبينما تشغل المرأة ٢٠% من المقاعد تحت قبة الشورى وتستعد لدخول الانتخابات البلدية كناخبة ومرشحة ؛ لايزال وليها – الذي قد يكون ابنها – هو من يصدر لها الإذن بالسفر؛ .. ويبدو المشهد ممعنا في الكوميديا السوداء مع كل مايدور على الساحة من كر وفر  في سبيل الحصول على حق مبدئي كحق القيادة ! وهي جوهرة مصونة ودرة مكنونة ؛ ولكنك ستجد كرامة الجواهر والدرر مراقة على أعتاب المحاكم في قضايا العضل والخلع والطلاق التعسفي والحضانة والنفقة التي لا تقيم أود طفل ، وتشتيت الأسر الآمنة على خلفية عدم التكافؤ في النسب . ناهيك عما يحدث للجواهر من المعلمات ؛ اللواتي يقطعن الفيافي والمسافات في سبيل ( لقمة عيش) مغمسة بالخطر ومعجونة بكوابيس حوادث الطرق . بل لم تترك إحدى الجواهر في حالها عندما طلبت الرزق الشريف على قارعة رصيف وقاية لنفسها من ذل السؤال ؛ لتصطدم بقسوة رجل حسبة لم يكتف بتعنيفها ، ولكن تجاوز إلى التبليغ ضدها بحجة ملاسنته والتلفظ عليه !.

لعلّ ثنائية التقديس والتأثيم الكامنة في مخبوءات اللاوعي الجمعي تساعدنا على فهم هذه المتناقضات ؛ فالمرأة من جهة الأم المتوجة على عرش القداسة والتبجيل والمحفوف ذكرها بموجبات البر والرحمة . بينما هي في المقابل فتنة تمشي على قدمين ؛ يتهدل الموروث الثقافي بحكاوي شيطنتها ؛ وقصص المكر الصادر من جنسها ( حواء) ؛ بل لاتزال تحمّل وزر إخراج آدم من الجنة رغم تبرئة القرآن الكريم لها ! وهنا يرتبك اللاوعي وتلتبس عليه الأمور فلا يدري أيخاف على المرأة ؛ أم يخشى منها ويتوجس ؟! ما سبق أيضا قد يساعدناعلى فهم علاقة المجتمع المتوترة بالمرأة ، وعلاقتها هي المرتبكة بذاتها مما يجعلها تقف ضد نفسها وتساهم في إعادة إنتاج النسق الثقافي الممانع لحقوقها.

لنسير في ركب الحضارة لابد أن تكون المرأة شريكة في التنمية ؛ ولن يتحقق ذلك إلا بالتبيئة الثفافية والفكرية لتمكين المرأة ؛ مما يستدعي اشتغالا جادا من الجهات الرسمية على تفكيك مفردات دونية المرأة في الخطاب الثقافي والديني والتعليمي وفي الاجراءات النظامية في الدوائر والجهات الحكومية .

أمل زاهد

http://www.al-madina.com/node/593071

رابط المقال في المدينة

المرأة بين الشيطنة والمثّلنة !

كما قلت في مقالي السابق تقع المرأة بين قبضة ثنائيات عجائبية تقترح الشيء ونقيضه في ذات الوقت !. فهي تبخسها وتشيطنها من جهة ، ثم تطلب منها أن تتصرف عكس ماتم ترسيخه في بنية اللاوعي الجمعي!،.. فالثقافة التي تشيطنها وتربط جنسها بالخصال السيئة والصفات المذمومة كالمكر والجحود والضعف والتزعزع وعدم القدرة على اتخاذ القرار- في تعميم مجحف- ، هي ذاتها التي تريد منها المثّلنة : أي المثالية في التصرفات والقوة والحسم والعزم في إدارة حياتها والقيام بشؤون أسرتها وتربية أطفالها ! وفيما يُطلب من المرأة نضجا في الوعي واهتماما بالشأن العام للأمة ، تعتقلها الثقافة في أصفاد الأفكار المنمطة عن ذاتها ، والمفاهيم المقولبة عن محدودية قدراتها ، وسطحية فكرها ، وبالتالي حتمية انغماسها في التافه من الأمور! وفي تصور آخر يتم تشييئها ، وتؤطر داخل صورة الحلوى التي يتهافت عليها الذباب إذا ماكشفت ، أو الجوهرة المكنونة التي يتحتم المحافظة عليها بالتغطية والإخفاء،.. وهي في كلا الحالتين لا ترتقي لمنزلة الإنسانية ولا تخرج عن طور ( الشيء ) ، الذي لايملك درأ الضرر أو جلب المنفعة!

وفي ثنائية العاطفية\ِالعقلانية ، تفترض الثقافة في المرأة الإنجراف التام وراء العاطفة وتجردها من صفة العقلانية – في تعميم جائر أيضا- ، ولكنها تطلب منها أن تحمي الرجل من ضعفه وأهوائه!،..وذلك بنفي ذاتها داخل سجن الخاص ، والانسحاب من الفضاء العام حماية للرجل – القوي – من الافتتان بها ، ولا أدري هنا كيف تحمي الضعيفة العاطفية القوي العقلاني ؟! فالقوة والعقلانية المفترضة في جنس الرجل تقتضي القدرة على ضبط نفسه وتقويمها. وهنا بدلا من تشجيع الرجل على جهاد نفسه ، وتدريب ذاته على التواجد في فضاء عام صحي تتواجد فيه المرأة كشقيقة وشريكة في التنمية، تهدهده الثقافة وتريحه من مكابدة تطهير النفس، وتمارس الشطب والطمس والإزاحة بحق المرأة بإبعادها تماما عن طريقه!

بوابة الحلول تكون بتأسيس وعي مختلف ، يذهب إلى جذور الثقافة مفككا مقولاتها النمطية ومعترفا بعللها في سبيل مجتمع سوي نفسيا . فلا يمكن أن يؤتي تنصيص القوانين المناهضة للتمييز ضد المرأة أكله دون بناء فكري وثقافي تتكىء عليه ، وإلا عدنا لاستنساخ ذات الجدليات العقيمة التي تستنزف فكرنا وتهدره كلما جدت تحديثات تتعلق بالمرأة !

يحتاج كلا من القانون والوعي لإرادة سياسية حازمة تضع الأمور في نصابها، فقضية المرأة ليست ترفا ولا معركة ساذجة بين الذكورة والأنوثة , ولكنها معركة ضد التخلف الذي يسحبنا للوراء كلما أردنا تقدما !

أمل زاهد

http://www.al-madina.com/node/594564/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%86%D8%A9.html

تحدي الاستقرار في اليمن

لا شك أننا جميعا نتمنى أن تضع الحرب أوزارها سريعا ؛ فاستقرار أوضاع اليمن السياسية وسلامه مطلبنا الأبرز . وما أن تنتهي الحرب حتى يبرز التحدي الأكبر وهو تثبيت دعائم الاستقرار في اليمن مدعوما بدولة القانون والمؤسسات .
كتب الدكتور متروك الفالح ورقة ضافية بعنوان ( اليمن من الاحتضار إلى الحياة ) في ٢٠٠٩ مشخصا فيها الحالة اليمنية التي يتمظهر فيها ضعف الدولة العربية في أسوأ حالاته ؛ ويرجع أسباب تردي الأوضاع في اليمن إلى أزمة بنيوية في العلاقة بين السلطة والمجتمع . فالسلطة القائمة على الإقصاء والتهميش والمركزية وانتفاء العدالة في توزيع الثروات ؛ وعدم إشراك المجتمع كلية أو بعض قواه في المسؤوليات وصناعة القرار بالتوازي مع تفشي الفقر والبطالة والتخلف ؛ يشكل بيئة خصبة لتنامي وفعالية قوى العنف فيه . وهو بذلك لا يشكل خطرا على نفسه فقط ؛ ولكن عدم الاستقرار وفشل الدولة واحتضارها لابد أن ينعكس على دول الجوار أيضا.
في الحقيقة تستحق ورقة الدكتور الفالح التأمل والدراسة المعمقة ؛ كونها لا تشخص فقط الداء وتستقرأ واقع اليمن حينها – والذي تنامى بالطبع بعد ذلك حتى انفجرت الأوضاع ووصلت لمآلاتها الأخيرة – ؛ ولكنها تطرح كثيرا من الأسئلة وتضع خارطة طريق لحلول تخرج باليمن من الاحتضار إلى الحياة . من الممكن طرح ماجاء في الورقة للنقاش والبناء على ماجاء فيها ؛ للخروج باليمن من ظلمة الاقتتال والتشرذم واستقواء جماعة الحوثيين بإيران إلى شمس الاستقرار السياسي والرخاء . ولا شك أن يمنا سعيدا ينعم بالسلام والعدالة والازدهار الإقتصادي سينعكس على وطننا الحبيب ودول الخليج ، ودولتنا بثقلها السياسي في المنطقة قادرة على التأسيس لهذا الاستقرار .
يقترح الدكتور الفالح قيام دولة اتحاد فيدرالية في اليمن خاصة بين شماله وجنوبه بحيث تقوم مؤسسات اتحادية (سلطة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية) بدستور اتحادي على مستوى اليمن كله . وفي الورقة تفصيلات لرؤيته عن كيفية قيام هذا الاتحاد . يأتي الاقتراح الثاني بقبول اليمن عضوا كامل العضوية في مجلس التعاون الخليجي وتحويل مسمى الاخير إلى: مجلس التعاون لدول الجزيرة العربية . فيما يتجلى اقتراحه الثالث بالمساهمة في تكوين بيئة اقتصادية حيوية ومستقرة في اليمن ؛ وذلك بضخ الأموال والاستثمارات الخليجية سواء من القطاع العام أو الخاص ؛ والدفع بمشاريع استثمارية منسقة مشتركة أو فردية لاستغلال القوة البشرية الشرائية والاستفادة من طاقاتها الكبيرة .
طرح أيضا الدكتور شفيق الغبرا من خلال برنامج ( في العمق) رؤيته لآفاق الحلول السياسية في اليمن ؛ وهي رؤية عميقة تستحق التوقف عندها . وأكد على أهمية عدم التهميش والاقصاء لكافة الفعاليات؛ واحتواء المطالب الشبابية التي انبثقت من انتفاضة ٢٠١١ ؛ فعجلة أحلام الشباب الذين ناضلوا لا يجب أن تعود للوراء .
أمل زاهد

حوار عن قضية المرأة أجراه معي الصحفي عبد الحي يوسف

———————————
** قضايا المرأة ومشكلاتها هل بقي منها الكثير بعد ما تحقق خلال السنوات الأخيرة؟.
المرأة العربية لا تزال تنحت الصخر لتنال حقوقها في مجتمعاتنا الأبوية السلطوية، وما تحقق ليس إلا طرفا من حزمة كبيرة من الحقوق المستلبة من المرأة. أؤمن أنه لا يمكن إصلاح أوضاع المرأة من الأعلى إلى الأسفل، فها هي نورة الفايز تحتل منصبا رفيعا في وزارة التريبة والتعليم، ولم يساعد تعيينها على حل مشاكل المرأة المزمنة والمتراكمة في الوزارة. وفي حين تحتل النساء 20% من المقاعد تحت قبة الشورى، يبدو المشهد ممعنا في الكوميديا السوداء مع كل ما يدور من معارك في سبيل الحصول على حق مبدئي كحق قيادة السيارة أو عندما تحتاج إ
امرأة خمسينية لإذن وليها حتى لو كان طفلا غرا لتسافر!. ماتحقق حتى الآن لم ينعكس على حياة المرأة المطحونة والمقهورة، والتي تعاني الأمرين من واقع يتكالب عليها فيه الاجتماعي الثقافي مع الخطاب الوعظي، وتؤطر الصورة بأنظمة وإجراءات حكومية تغلق عليها المنافذ.
** هل ترين ان حصر المطالبات النسوية في قيادة السيارة والمطالبات الأخرى المشابهة له، فيه إضرار لمساعي تعزيز المساهمة النسوية في المملكة؟
في تقديري أن اختزال مطالبات المرأة في قيادة السيارة فيه تسذيج وتسطيح لقضية المرأة ، فهناك العديد من الإشكاليات والقضايا التي تعيق المرأة عن ممارسة حياتها بيسر ومنها على سبيل المثال عدم الاعتراف بأهليتها الكاملة وتكريس وتعزيز الفكر الوصائي عليها في كل مناحي حياتها . ولكن هذا لا يمنع أن حق قيادة السيارة حق مبدئي يكفل لها حرية التنقل ، وهدره يقف كحجر عثرة في وجه النساء ويعيقهن عن تدوير مصالحهن بسلاسة، وهو بات اليوم يضّمن بعدا رمزيا محملا بدلالات الحجر على المرأة والتعامل معها من منطلق نقص الأهلية وعدم الكفاءة وانعدام الثقة.والحملات الأخيرة الميدانية لإختراق حاجز المنع من سيدات شجاعات تستحق التقدير والإشادة كونها أزاحت وفككت الصورة النمطية عن وهم ” اجتماعية ” القضية ورمت الكرة في ملعب السياسي .
** أي التيارات الفكرية السعودية ترينها أكثر وعيا لقضايا المرأة وأكثر جرأة في التعبير عنها؟.
على الساحة السعودية تياران يتقاذفان كرة قضية المرأة وهما التيار الإسلامي والتيار الليبرالي، وكلٌ منهما يقتات على الآخر وينجر إلى المعارك الإلهائية والجدليات العقيمة التي لا تطفأ جذوتها إلا لتعود للإشتعال من جديد، حتى أصبح الأمر أشبه بمسرحيات هزلية رديئة سئمنا اجترارها. فيما يمسك بالزمام القرار الرسمي القادر على تقويض كافة الممانعات واحتوائها ، وقد حدث هذا من قبل في قضية تعليم المرأة ، وفتح مجالات جديدة للعمل أمامها ، وتعيينها في مجلس الشورى وخلافه من القضايا. أخفق الخطاب الإسلامي في تقديم حلول للمرأة المراقة كرامتها على أعتاب المحاكم في قضايا العضل والخلع والطلاق التعسفي والحضانة والنفقة التي لا تقيم أود طفل ، وتشتيت الأسر الآمنة على خلفية عدم التكافؤ في النسب والكثير مما يخل بمقاصد الشريعة الإسلامية،.. ولم يقدم إجابات أيضا لمشاكل المرأة المطحونة اقتصاديا والغارقة في الفقر والعوز المؤدي لكافة أنواع الشرور بقدر مايصعب عليها الأمور ! على الاتجاه المقابل ساهم الخطاب الليبرالي النسوي في عزل قضية المرأة عن المجتمع ، وسقط في شرك تصوير الأمر وكأنه صراع بين الرجال والنساء أو مع الذكورية ، وتورط في الانحباس في أفلاك الفئوية الضيقة متخاذلا عن تطلعات الشارع ومطالباته الشعبية ، مما ساهم في إفقاده موضوعيته ومصداقيته .
** قضايا المرأة هل يمكن ان نتحدث عنها باعتبارها قضايا المجتمع السعودي ككل؟.
هناك تواطؤ من التيارين على تصوير قضية المرأة وكأنها “كل” قضايا المجتمع السعودي ، وإن كان ذلك لا ينفي بالطبع محورية قضية المرأة وفي كونها تضمّن حمولات رمزية تتعلق بالصراع والتدافع بين اللحاق بركب الحضارة الحديثة وتبني فلسفتها ، واجترار الماضي وحراسة أنساقه الثقافية. يفترض أن يتم التعامل مع قضية المرأة كمفتاح وعتبة للولوج لكافة القضايا الأخرى المتعلقة بالحريات والحقوق، لذا من الخطورة بمكان طرحها معزولة عن قضية المجتمع ومطالبه الشعبية ، فالفصل سيؤدي بها للتشرذم والتفكك وخلق مزيدا من الصراعات التي تفرق المجتمع بدلا من جمعه على هدف بناء الوطن وتنميته والخروج به من أسر التخلف .
** على ماذا يراهن الخطاب النسوي السعودي في محاولته خلق حراك فاعل وناجز تجاه جميع القضايا التي يتبناها؟.
في ظني أنه من الضروري في وقتنا الحالي وما يفرضه من استحقاقات المراهنة على اشتراطات المرحلة وتحدياتها، وحتمية وضرورة الإصلاح والتطوير وتبني التحديثات التي تدفع بالتنمية قدما ، مما لابد أن ينعكس على تمكين المرأة وحتمية إشراكها وفتح مجالات جديدة أمامها ، وإشراع الأبواب لها للحضور الفاعل في الفضاء العام .
** التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المملكة كيف ترينها من واقع تأثيرها على المرأة؟.
يقول جبران خليل جبران : وجه أمي وجه أمتي، فأحوال المرأة ومكانتها في المجتمع ليست إلا مرآة أو إنعاكسا لأنساقه الثقافية وأحواله الاجتماعية وأوضاعه السياسية فإذا تخلف المجتمع وتكبل بكافة ألوان الانسدادات انعكس ذلك على وضع المرأة دون شك ، وإذا ما تطور المجتمع وتقدم لابد أن تحدث انفراجة في أحوال المرأة .
** هل يمكن ان نقول ان فرص التعليم التي أتيحت للمرأة السعودية، ساهمت في تكوين نخبة نسائية؟.
عمر تعليم المرأة في السعودية يزيد عن خمسين عاما ، وخلال هذه الفترة وصلت المرأة السعودية إلى أعلى المراتب والدرجات العلمية وتكونت نخب نسائية متعلمة ، ولم تستطع هذه النخب لملمة شعث أمرها وخلق حراك فاعل وناجز لعدة عوامل ، لعلّ أهمها عدم قدرتها على التجمع والتكتل في عمل جماعي تحت مظلة مؤسسات مجتمع مدني مستقلة وفاعلة كونه غير مصرح لها رسميا حتى الآن ، فالجهود الفردية عادة تفشل ويذهب ريحها .
** هل تمارس هذه النخب أي ضغوط أو تأثيرات للتسريع في حركة التحديث المجتمعي بشكل عام؟.
أصيبت النخبة النسائية في مقتل بعد الحدث الأشهر في تاريخها وهو التحرك الجماعي لقيادة السيارة في السادس من نوفمبر عام 1990 وما تلاه من أحداث ونتائج بصمت وحفرت آثارها على الذاكرة النسوية . ولعلّنا اليوم نشهد إرهاصات حراك نسوي من نوع مختلف يحاول شق أنفاسه ونحت جدار الممانعات بما نشهده من حملات متتالية ومتواترة للقيادة ، وفي بعض المباردات المدنية النسوية الأخرى.
** يقول الدكتور سعد الصويان وهو عالم انثربولوجيا بارز في المملكة ان ماضي المرأة السعودية كان أكثر إشراقا من حاضرها الراهن.. كيف ترين مثل هذه المقولات؟. ولماذا (في حال اتفاقك مع الصويان) تراجعت مساهمة المرأة السعودية في مجتمعها؟.
في ظني أن الدكتور سعد يقصد مشاركة المرأة في الحياة العامة في المجتمعات البدوية والقروية في الماضي ، ومساهمتها في دوران عجلة اقتصاد الأسرة بالعمل في مجالات مختلفة لا تستطيع المرأة اليوم مقاربتها. ويعود هذا التراجع لتمكين خطاب ديني متشدد من السيادة والتغول وفرض رؤاه على المجتمع وبرمجة العقول ، فيما لم يتم أيضا التبيئة الثقافية للتحديثات المتعلقة بالمرأة فقدمت للمجتمع مفرغة من مضامينها الفكرية وأساسيات بناينها .
** من صنع الصورة النمطية المعروفة الآن عن المرأة السعودية؟ وكيف يمكن تفكيك هذه الصورة؟.
الثقافة السائدة هي المسؤولة عن تنميط صورة المرأة السعودية ، ولايمكن تفكيك الصورة دون الاشتغال على تجديد خطاب المرأة ، وتفكيك الأنساق الثقافية المكرسة لدونيتها ، ولا يمكن أن يتم ذلك دون قرار وإرادة سياسية حاسمة؛ تُوضع من خلالها الإستراتجيات للعمل على الخطاب الديني والثقافي والتعليمي والإعلامي والاجتماعي في سبيل التأسيس لوعي مغاير فيما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع والتنمية .
** ماهو التأثير الذي أحدثته النساء السعوديات في المجتمع السعودي من واقع الإمكانيات والفرص التي أتيحت لهن؟.
في حدود المتاح استطاعت المرأة المشاركة في مجالي التعليم والطب بكفاءة واقتدار وأخيرا فتحت لها بعض الأبواب المغلقة لتشارك في مجالات جديدة، وهي اليوم تساهم في بناء اقتصاد أسرتها وتحسين معيشتها ، كما لها الكثير من المساهمات الناجحة في مجال التجارة والأعمال والبنوك ودوران عجلة الإقتصاد .
** وما شكل المساهمات التي يتوقع حدوثها في حال تحقق المطالبات التي تطالب بها النساء السعوديات؟.
نتيجة لشروط الواقع ومعطياته وحتمية التطورلابد أن يسير الأمر نحو تمكين المرأة عاجلا أو آجلا ، وسيكون لها حضور أكبر وأكثر فاعلية في الفضاء العام ، ولابد أن تفتح لها حقول جديدة للعمل فأعداد خريجات الجامعات في تزايد مضطرد فيما لاتستطيع المجالات الحالية استيعابهن
http://www.alqabas.com.kw/node/880680
رابط الحوار في جريدة القبس الكويتية
ملحوظة : حذفت بعض الأسئلة في الصحيفة لضيق المساحة

حوار مع الروائي المبدع يوسف المحيميد

حوار مع المبدع يوسف المحيميد

يمسك ضيفنا ببراعة وحرفية بحبال السرد ، ويترك الخيط يزيغ من يديه مطلقا العنان للطفل الباذخ الدهشة داخله ليشعل فتيل الابداع ويرواغ طزاجة الأشياء وجدتها .. ليقود قراءه إلى تخوم لم يخبروها وحيوات لم يعيشوها .. الكتابة بالنسبة له ليست فقط مضاد حيوي للكآبة والبؤس بل وسيلة لمقاومة الموت الذي يحاول التقام حواسنا ورغبتنا في الحياة قبل أن تغمض أعيننا .. إنه الروائي المبدع يوسف الميحميد في حواره الشفيف معنا على صفحات الآطام

وأنا أقرأك وأتلمس طريقي في تجربتك المرصعة بالإبداع والجمال ، لمحت طفلا لامع الذكاء وحاد الملاحظة .. يقبع داخلك ، وهو قادر دوما على استيلاد الدهشة وإشعال نارها من بطن العادي والمألوف .. كيف يستطيع يوسف المحيميد الاحتفاظ بهذا الطفل المكتنز بالدهشة داخله في خضم تفاصيل الحياة المرهقة والرتيبة؟
– كنت أقول دائماً، ومنذ بداياتي المبكرة، أن الإبداع والدهشة لا ينفصلان، فلا يمكن أن تدهش القارئ بنصك المكتوب ما لم تحمل الدهشة في داخلك، أزعم أنني أمتلك عين طفل يكتشف الحياة للمرة الأولى، يمتلك الدهشة الأولى لرؤية الأشياء، كي يكتبها، كم أشعر بسعادة نادرة حينما تعلو حساسيتي تجاه الأشياء من حولي، ويصبح أي شيء، وكل شيء، قابل للكتابة

• من الذي ينصب الفخاخ والمصائد للقراء في نصوصك، هل هو الطفل الفاقع الدهشة والمحمل بالأسئلة ، أم الروائي المتمكن من أدواته السردية والحرفية ؟ وهل الأشياء الأجمل هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل كما يقول( اندريه جيد)؟
– كلاهما شريكان في نصب الفخاخ، الأول يكتشفها، ويشير إليها، والثاني بأدواته وخبراته يضعها في المكان المناسب، فخريطة السرد طويلة ومتشعبة، تشبه المغارة ودهاليزها، تنصب الفخاخ السردية في العطفات، كي يتعثر بها القراء، ويسقط معظمهم تحت وطأة الغواية، كالطفل الذي يتتبع الضوء في المغارة، فيتعثر في كمين الدهشة. الكتابة السردية في مجملها هي خليط من الجنون والعقل، ينظمها العقل ويديرها، ويجلب مصادرها، ثم يتركها أمام خيط رفيع من الجنون والفوضى، كم أحب مقولة الفرنسي لوكليزيو عن خيط السرد: دع الخيط يزيغ من يدك! بالضبط هي هذه اللحظة الفاتنة حين يفلت خيط السرد بوعي، حتى وإن بدا جنونا وفوضى!

• يقول محمد برادة عن الكتابة الفنية أنها وهم بديل يشكل وسيلة لفهم العالم والناس وهي تعويض عن حرمان ما ، سؤالي هل الكتابة معادل موضوعي لانحباس الكاتب في سجن الجسد والزمان والمكان والمصير أم هي وسيلة للتصالح بين متناقضاته؟ .. ماذا تعني الكتابة ليوسف المحيميد؟
– هي أفضل مضاد حيوي للاحتقان والاكتئاب والبؤس، أظن أن الحياة مليئة بالخوف والقلق والحزن، لا يجابهها إلا الكتابة، فأنا أقاوم الحزن والقلق بالكتابة، كانت أمي – يرحمها الله – حتى قبيل وفاتها تدرك أنني لا أكتب حينما أنقطع عن الكتابة، وتسألني بحب، لماذا لا أكتب، لأن الكتابة ترفع هرمون السعادة والطمأنينة كثيرا، وهي بالضرورة مرتبطة بشكل وثيق بالقراءة، كلاهما مصدر هدوء وراحة، فالكتابة بالنسبة لي هي الطريق الوحيد نحو الحياة، فمن خلالها أقاوم الموت، ذلك الموت الذي يأكل أطرافنا وحواسنا قبل أن تغمض أعيننا بشكل أبدي.

• هناك من يرى أن الرواية عالم متكامل يعرض من خلاله الكاتب تصوره للوجود ويحدد موقفه وموقعه من الكون والحياة المبني على رؤى فلسفية عميقة ، بينما يرى آخرون أن الكتابة لعبة ينجر فيها الراوي لفتنة السرد وخلق الشخصيات والأكاذيب الجميلة حيث لا غرض إلا ذات الحكي نفسه ، وبطلك الروائي في (لغط موتى) يقول أن كتابة رواية تحتاج إلى فكين شرسين لا يكفان عن الهذيان .. ما مفهوم يوسف المحيميد للرواية ؟
– أجمل ما في الرواية هذا التنوع المذهل فيها، من يقرأ الرواية الكلاسيكية مثلا، ورواية الحداثة، وما بعد الحداثة، سيكتشف هذا التنوع، ومن يقرأ الرواية الروسية، والأوروبية، ورواية أمريكا اللاتينية، ورواية اليابان وإفريقيا، سيلاحظ هذا التنوع أيضاً، فمثلا رواية زوربا اليوناني لكازنتزاكي، أو رواية جاك القدري لبيدرو، أو عالم صوفي لغاردر، وغيرها، تمنح هذه الطاقة المذهلة، في تأمل الكون والحياة برؤى فلسفية فذة ومتنوعة، بينما نجد أعمالا أخرى، كأعمال هنري ميللر، وموراكامي، وغيرهما، تضج بالحياة والروح الرفرافة في شخصياتها، وبالنسبة لي يزداد شغفي بهذا التنوع والثراء، فليس المهم ماذا نريد من الرواية، وأي نوع، بل كيف نفعل ذلك، وننجح!

• يقول هرمان بروخ : اكتشاف ما يمكن للرواية وحدها أن تكتشفه هو ما يؤلف مبرر لوجود الرواية، إن الرواية التي لا تكشف جزءا من الوجود لا يزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية .. هل تتفق مع مقولة بروخ ، في رأيك ما هو مبرر وجود الرواية؟ وماهي وظيفتها؟
– هذه مقولة جازمة ويقينية، وإن كانت صحيحة في جانب منها، إلا أنها ناقصة، فهل على الرواية كشف المجهول؟ أم المسكوت عنه؟ أم المغفل والمخفي؟ أم المهمل والهامش؟ ومع كل هذا الكشف، لابد أن تمتلك أدواتها الفنية الخاصة، التي تنقذها من الوقوع في براثن الخطابات، سواء كانت خطابات سياسية أو اجتماعية أو فكرية، فهي خطاب سردي فني جمالي، يستثمر السابق كله. وأعتقد أن مبرر وجود الرواية هو ذاته مبرر الآداب والفنون كلها، فلكِ أن تتخيلي العالم بلا سينما، ولا مسرح، ولا رواية، ولا شعر، ولا تشكيل، ولا فوتوغراف، كم سيصبح هذا العالم أحمقاً ومملاً، فالرواية تهب الحياة الحياة، أكاد أجزم أن الحياة لا تطاق بلا سرد، وسينما، وموسيقى!

• هل يحتاج الكاتب للعزلة والابتعاد عن شواطئ الضجيج ونصب الحياة ليستبطن ذاته ويكتشفها ومن ثم يعيد اكتشاف العالم من خلالها ، .. أم يحتاج للتلاحم مع الناس والتماهي مع تفاصيلهم ، هل يجد يوسف المحيميد ضالته ومادته الروائية في العزلة أم في الانصهار مع الحيوات من حوله؟
– حينما أتهيأ للكتابة، أستطيع أن أكتب حتى لو كنت فوق فوهة بركان، لو كان الزلزال يربك القلم في يدي، لا أخشى الضجيج، ولا يأخذني إطلاقاً حينما تتلبسني حالة كتابة باذخة، حالة ممتلئة، وفي المقابل لا يمكن أن أكتب حرفا واحدا، ولو كنت في جزيرة معزولة، طالما أنني لست في استعداد نفسي للكتابة، مادتي الروائية ها هنا (أشير إلى رأسي الآن) بعيداً عن العزلة، وبعيدا عن الضجيج!

• يقول جابرييل غارسيا ماركيز أن الرواية تبدأ عنده بصورة معينة تلح عليه ثم ينطلق منها ، ويقول بول أوستر أن كتبه تبدأ بوخزة في الرأس أو موسيقى من نوع ما أو إيقاع ؟ كيف تبدأ الرواية أو عملية الكتابة السردية عند يوسف المحيميد ، وهل يحتاج العمل للإنضاج داخلك كثيراً؟
– حينما تتحفز حواسي كذئاب الليل، يجب أن تنقاد الفريسة نحوها، أعني الرواية الجديدة، وهي حالة ملحّة تماماً، حينما تعترضني الشخصية مراراً خلال اليوم، حينما يحدث المشهد تلو المشهد أمامي، حينما تتحرك الشياطين اللا مرئية، وأكون ساهما ذاهلا بما يجري حولي، بما أراه وحدي، ولا يراه أحد، يجب أن أبحث عن زاوية مهملة من البيت، وأكتب… بالمناسبة، كانت تحرجني القنوات الفضائية حين تزورني في بيتي لتصوير حوار ما، أو تقرير، ويبحثون عن مكتبة بالمعنى التقليدي، طاولة، وكتب مبعثرة، وأقلام، ومماحي، ولوحات، وأكواب قهوة منسية… فأخذلهم حين أقول أن مكتبتي أصابعي، أنقر بها في أي مكان وزمان، فحين تحضر الكتابة، تتبعها طقوسها، وليس العكس.

• الصورة الفوتوغرافية ماذا تعني للروائي يوسف المحيميد، وهل استفدت من التصوير الفوتوغرافي في تجربتك السردية؟
– حتماً، التصوير الفوتوغرافي هو نسيجي الذي لا يفارقني، الصورة تتمثل أمامي في كل شيء، تأسرني الزوايا المختلفة للصورة الواحدة، وهي تشبه احتمالات السرد كثيراً، في تعددها، وقد استفدت كثيراً من الصورة في النسيج الروائي، قراءة الصورة وسبر تفاصيلها واحتمالاتها وخباياها، لا تختلف عن خبايا السرد واحتمالاته!

• إذا ما اعتبرنا الشخصيات كائنات حية يخلقها الروائي ويراها تنمو وتترعرع أمامه وتتطور، هل سبق وأن تمردت شخصياتك على خرائطك وخططك لصيرورتها وأنت تخوض عملية السرد، فذهبت بقلمك رغما عنه إلى طريق لم تكن تنتويه؟
– كثيرا، بل أغض الطرف عن تمردها، وأحيانا أدفعها لأن تتمرد، شرط ألا تبالغ في انزياحها، وتُفقد السرد متعته، فقط لنزوة أو أنانية عابرة، بمعنى أن خريطة السرد، هي توضح دهاليزه المجهولة، لكن الدخول فيها قد يحوّل سير هذه الشخصية أو تلك، وهو أمر مقبول على ألا يشتت السرد ويضيعه.

• هل تتوحد مع شخصياتك وأنت تكتب وهل تفرغ منهم بمجرد الكتابة؟ وهل يمكن أن تتلبسك شخصية معينة فتجد صعوبة في الخروج من أسرها ومن معاناتها النفسية؟
– لابد أن أفعل ذلك، أن أتوحّد معها، أو أتلبسها، أو بالأحرى تتلبسني، فأتحدث بلسانها من زاوية رؤيتها، ووعيها، ومنطقها، وعادة بعدما أنجز رواية ما، أبحث عن كتابة مختلفة، للتخلص من عبء الشخصية، لكن بمجرد أن يتم نشرها، تصبح شيئاً غريبا عني، حتى شخصياتها أشعر نحوها بحياد.

• هل توافق على أن شخصيات الكاتب حتى لو كانت لا تشبهه لابد أن تحمل جزءا منه؟ وهل تتفق مع (أمبرتوإيكو) حين يقول : كل رواية هي سيرة ذاتية ؟
– بالطبع، تحمل الرواية بعض ملامح شخصية كاتبها، بعض عاداته، بعض أماكنه التي يرتادها، لكنها ليست سيرته الذاتية، وهذا ما أختلف فيه مع إيكو، إلا إذا كان يقصد أن كل رواية هي سيرة ذاتية ما، لشخص ما، لكنها حتماً ليست سيرة كاتبها، وإلا لكتب كل روائي رواية واحدة، هي سيرته الذاتية، ثم كفَّ عن الكتابة.

• عند معظم الروائيين السعوديين تتموضع القصة القصيرة كمرحلة أو عتبة لابد من المرور بها للولوج للكتابة الروائية، هل ترى المرور بالقصة القصيرة عنصر أساسي لإنضاج التجربة والتمكن من الأدوات السردية؟
– لا، هذا ليس صحيحا، ليس معظمهم، بل بعضهم أو حتى القليل منهم، فمعظم الأسماء الشابة كتبت رواياتها الأولى مباشرة، دون تجربة فن القصة القصيرة، ربما معظم كتاب جيلي الذي بدأ في الثمانينيات، هم من عشق القصة القصيرة، وكتبوها شغفاً بها، ليس كعتبة للوصول إلى الرواية، وهي بالطبع ليست عنصرا أساسيا لنجاح كتابة الرواية، مع أنها بالطبع تختزل مرحلة التجريب واكتشاف جماليات اللغة السردية.

• مع كل الصخب الروائي الذي يحيط بنا وتسيد الرواية في المشهد والاقبال على كتابتها وقراءتها ، هل نستطيع أن نقول أن القصة القصيرة تعيش حالة احتضار وأنها في طريقها للاختفاء؟
– للأسف نعم، أخشى أن تختفي تماماً أمام سطوة الرواية، كان يمكن أن تستمر وتتطور لو بقيت محفزات البقاء والتطور، فلو بقي نادي القصة السعودي، ولم يتم إلغاؤه، بل تطويره ووضع خطط وبرامج له، ولإصداراته، بل ووضع جائزة باسم النادي، أو باسم أحد فرسان القصة القصيرة بالمملكة، لتغير مستقبل القصة القصيرة كثيرا، وجذبت الأضواء والكتّاب الجدد، وحدث فيها الكثير من التطور والازدهار… هذا ما فعلته بعض الثقافات قبل بضعة سنوات، ففي بريطانيا تم إطلاق جائزة رصينة ومتميزة خاصة بالقصة القصيرة… كم أتمنى مبادرة الجهات الثقافية المسؤولة بدعم هذا الفن الرائع.

• استطاعت الرواية السعودية اختراق تابو الجنس، كما رصدت ملامح الانغلاق الديني والحجر على الحريات الفردية، ولكنها لا تزال تدور حول الحمى إذا ما تعلق الأمر بتابو السياسة، ألا ترى أن تجاوز السياقات السياسية والتركيز على الاجتماعي والديني يساهم في تزييف الواقع؟
– بالطبع، ولكن هذا أمراً ليس سهلا، ليس على مستوى الخسائر المحتملة فحسب، بل حتى على مستوى الوعي السياسي للروائي، وكذلك فهمه لاستخدام السياسي وتوظيفه في عمل أدبي بشكل عميق، غير مباشر وفج، فالرواية يجب أن تحافظ على هويتها الأدبية، دون الوقوع في براثن الخطاب السياسي المباشر وسطوته، فضلا عن معاناة الروائي في توفر مصادر مختلف المعلومات، بينها السياسية، وهذا الأمر الذي تحوّل فيه الروائي إلى باحث، استهلك وقته في مناطق ليست من اختصاصه.

• عندما قرأت رواية (فخاخ الرائحة) سحرني كمتلقية ذلك الانتقال الرشيق والبارع بين ضمير المتكلم والغائب العليم ، هل توافق الناقدة الجميلة لمياء باعشن على أن هذا التنقل ليس إلا تعبيرا عن ذاكرة واحدة متشظية إلى مجموعة من الرواة ، عبر سارد ضمني يقبع خارج شبكة السرد؟
– كنت أريد التنقل بين الضمائر بخفّة، في لحظة أذوب في الشخصية وأتوحد فيها، وفي لحظة تالية أعلو لأرى العالم تحتي، قد لا يكون ذلك عبارة من ذاكرة واحدة متشظية، بل ذاكرات متعددة، وذوات متشظية ومتوحدة في الوقت ذاته، بمعنى أن السارد الخفي يقبع داخل السرد وخارجه، ينصت حيناً، ويتحدث أحيانا.

• لماذا تأخرت في نشر رواية ( لغط موتى ) ؟ هل كنت متوجسا من عدم فهم المتلقي لما تريد قوله ، وعدم تقبله لآليتها التجريبية ولغتها السادرة في الشعرية وأحيانا الرمزية؟
– لا، ليس الأمر كذلك، بل ببساطة لم أجد لها ناشرا في البداية، هذا ما عطل نشرها لسنوات، حتى نشرها اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ولكن بطريقة مشوهة، فبادرت دار الجمل بنشر العمل بشكل أكثر تنظيما واحتراما. كنت أدرك أنني ألعب في منطقة صعبة، وأعرف أنني أتحرك في منطقة خارج حدود ذائقة القارئ التقليدي، لكنني كنت أستمتع بذلك، لقد كنت أنانياً بشكل أو بآخر.

• هل تضع المتلقي نصب عينيك وأنت تكتب وهل يمارس عليك سطوة من نوع ما خلال عملية الكتابة ، أم أن الناقد هو من يفعل ذلك؟
– لا، لا أحد من هؤلاء، أضع شخصياتي فقط نصب عيني، وأطمئن على حراكها وأفعالها ومشاعرها، وأنني لم أخذلها، ولم أكذب على لسانها، وقد يحدث أن أفعل، لذلك أستغل هذه المساحة لأعتذر من أي شخصية خذلتها، وحمّلتها ما لا تتحمله، ونقلت على لسانها الأقاويل والأكاذيب.

• هناك من يرى ومنهم الناقد عبد الله الغذامي أن الكتب والروايات الأكثر مبيعا تفتقر غالبا للعمق والقدرة على الكشف وسبر الأغوار، هل ترى أنه من الصعب الوصول لمعادلة النجاح الجماهيري مع الاحتفاظ بالقيمة الفنية العالية؟
– لا طبعا، يمكن الوصول إلى ذلك، وهناك العديد من الأمثلة، خاصة في الغرب، فمثلا (اسم الوردة) لأمبرتو إيكو، نجحت فنيا وجماهيريا، وغيرها الكثير، قصة مدينتين لديكنز، الأمير الصغير، الخيميائي… إلخ.

• هناك من يقول بنهاية زمن الرواية وبداية زمن السيرة الذاتية ، فيما يقول (ميلان كونديرا ) أن الرواية لا تختفي بل يتوقف تاريخها ولا يبقى بعدها إلا زمن التكرار الذي تعيد فيه الرواية إنتاج شكلها المفرغ من روحه .. هل وقعت الرواية السعودية في المجمل بمأزق التكرار ؟ وهل حان زمن السيرة الذاتية في رأيك؟
– لا، لا أعتقد. فالسيرة كانت موجودة منذ زمن مبكر، وبعض السير المكتوبة مبكراً تفوق فنياً معظم الروايات الجديدة، كسيرة الرائع عزيز ضياء، المعنونة ب (حياتي مع الجوع والحب والحرب). شخصياً لا أتوقع سيطرة السيرة عندنا كما هي في الغرب، لأننا لا نمتلك الجرأة، لنكتب عن ذواتنا، وخيباتنا، وخدائعنا، بكل صدق ووضوح.

• إذا ما أتفقنا أننا جميعا نحمل إيدلوجية معينة نزن بها الأمور ونحكم من خلالها على الأشياء ، هل تتفق مع من يرى أن رواية ( الحمام لا يطير في بريدة ) وقعت في فخ الايدلوجيا المضادة للنسق الثقافي السائد، وأنها لم تسلم من الخطابية والتقرير؟
– لا أعتقد فيما يخص الرواية، وإن كنت أوافق على أننا جميعاً نحمل أيديولوجية ما، تؤثر فينا، في رؤيتنا للحياة والأشياء من حولنا، وهذا أمر طبيعي، حتى على مستوى الشخصيات الروائية، ثمة أيديولوجيا قد تحكمها، وتتحكم فيها، وفي سلوكها، وفي مواقفها، وهذا السلوك أو المواقف قد تظهر بشكل أكبر، وأكثر وضوحا، حينما يصبح الواقع الاجتماعي السائد ضاغطاً، وقد يظهر ذلك على لسان الشخصية أحياناً.

• لك تجربة ثرية في أدب الطفل كما أشرفت على تحرير مجلة ( الجيل الجديد) المعنية بأدب الطفل وثقافته ، في رأيك ما أسباب الفقر الشديد في مجال أدب الطفل والناشئة في مشهدنا العربي عامة والسعودي خاصة؟
– أدب الطفل والناشئة يحتاج إلى بيئة فاعلة ومحفزة، أما أن يتم التعامل مع أديب وكاتب الآطفال، ككاتب من الدرجة العاشرة، ليس له قيمة ولا اهتمام، فسيحبط كثيراً من هؤلاء الكتاب، وهذا ما يحدث فعلاً في العالم العربي، والسعودي بشكل خاص، لم يظهر لدينا كاتب أدب طفل متخصص، ومخلص تجاه فنّه، لعدم وجود الاهتمام والرعاية، سواء على المستوى الرسمي، أو على مستوى النشر والتوزيع، وما شابه ذلك.

• لا يسعني إلا شكرك على التفضل بإجراء هذا الحوار ، واختم بسؤال : بماذا يحلم يوسف المحيميد؟
– أن أتفرغ للكتابة، وأتخلص من عبء الوظيفة، على أن يكون لدي دخل معقول يحفظ لي العيش بشكل لائق، هل هذا صعب؟
ملاحظة : نشر الحوار في دورية الآطام التابعة لنادي المدينة المنورة الأدبي

فلسطين ليست حكرا علينا

فلسطين ليست حكرا علينا
لم تكن الإعلامية الإيطالية من أصل فلسطيني ( رولا جبريل ) الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتعرض للتهميش والإقصاء في الإعلام الأمريكي ، نتيجة لموقفها ومحاولتها لكشف الحقائق فيما يتعلق بانحياز الاعلام الأمريكي الفاضح لإسرائيل . وكانت رولا قد انتقدت بقوة انحياز قناة MSNBC لإسرائيل ووصفته بالمثير للإشمئزاز ، وأكدت أن القناة لا تمنح الصوت الفلسطيني المجال الكافي للتعبير عن رأيه فيما يتعلق بالعدوان على غزة . وهنا كان لا بد من معاقبة رولا جزاءا وفاقا على فعلتها الشنعاء في كشف الحقائق ، فتم إلغاء ظهور تلفزيوني كان مقررا معها واستبعدت من القناة كمشاركة دائمة ، وأزيل مقطعها الناقد من اليوتوب! رغم ذلك تمكنت رولا من الظهور في أحد البرامج الحوارية بالقناة لمرة واحدة ، فأكدت أقوالها السابقة ، ولكن تم تصنيفها كصحافية فلسطينية في التعريف المكتوب على الشاشة بدلا من التعريف السابق الذي اعتادت القناة وصفها به (مشاركة ) ، وذلك للاستدلال على عاطفية رؤيتها وعدم موضوعيتها وفقدانها للحيادية، وفي محاولة لقلب الطاولة عليها لتبدو هي المنحازة لجذورها الفلسطينة !
كانت رولا قد أشارت أيضا في ذات اللقاء إلى استبعاد قناة NBC لأيمن محي الدين من تغطية حرب غزة بعيد كشفه لحقيقة ما يجري هناك ، وأكدت أنه لولا مواقع التواصل الاجتماعي والحملات المستعرة المناصرة لأيمن لما عاد للتغطية من جديد . (ديانا ماجناي) مراسلة قناة CNN التي عبرت عن اشمئزازها من الإسرائليين المنتشين بالقصف الصاروخي على غزة ، وغردت مطلقة عليهم وصف الحثالة كان مصيرها أيضا الاستبعاد من التغطية ونقلها إلى روسيا عقابا لها على جريمتها النكراء!. وليست قصة استبعاد الإعلامية القديرة الراحلة من أصل فلسطيني ( هيلين توماس ) من التغطية الإعلامية في البيت الأبيض عنا ببعيد ، بعد أن صرحت برأيها عندما سئلت عن الاحتلال الإسرائيلي فأجابت ليعودوا من حيث جاءوا وليخرجوا من فلسطين .
الأمثلة كثيرة جدا على الانحياز الإعلامي الأمريكي للصهيونية الإسرائيلية ومحاولاته الدؤوبة للتعتيم والتضليل والتجهيل وتزييف الوعي وقلب الحقائق . وجميع من يعمل في الإعلام الأمريكي يعلم تمام العلم ، أن التطرق للظلم الإسرائيلي خط أحمر سيوقعه حتما في تهمة معاداة السامية ،وسيبوء جراء ذلك بالغضب الإسرائيلي الساحق الماحق، وسينال ما يستحقه من إقصاء وتهميش !. فإسرائيل التي أزعجتها من قبل أغنية عفوية لشعبان عبد الرحيم تدرك تماما مفصلية الكلمة وسيفها البتار ، وقدرة الإعلام على توجيه الرأي العام وشحنه ليضغط على حكوماته لتتخذ موقفا ضد ما يحدث من ظلم . فالمعركة الإعلامية سلاح قوي فعال ، والكلمة لا تقل مضاءا وفاعلية عن الرصاصة والقنبلة ، والكاميرا اليوم مدفعية ، والصورة سهم نافذ في قلب الضمير العالمي . وكما تدور المعارك الطاحنة في ساحات الوغى ، تطلق نبال الكلمات وسهامها إما لتصيب العدو في مقتل عندما تكشف الحقائق وتقصف الأكاذيب ، أو لتناصر العدو وتتواطأ معه في حربه!!
والمتأمل للإعلام العربي اليوم سيلاحظ إعادة إنتاج مايقوله العدو من أكاذيب عن حقه في أرض فلسطين ، أو ترهات بيع الفلسطينين لأرضهم – وهي أكبر فرية روجها العدو- ، أو تحميله للمقاومة وزر الحرب والتهكم بإنجازاتها وما تفعله على الأرض ، وصولا لاختزال القضية في مقاومة ضعيفة تناطح طواحين الهواء وعدو جبار قوي لا يمكن قهره ، .في محاولة لبث الروح الانهزامية والاستسلام للأمر الواقع واليأس من فعل المقاومة نفسه . ناهيك عن محاولة الدفع بإتجاه التطبيع مع العدو ، أيا كان شكل هذا التطبيع ، وقد بتنا نشاهد ونسمع محاولات مستترة خبيثة وأخرى ظاهرة جلية للتطبيع مع العدو!، سواء في تغريدات بعض الشخصيات المحسوبة على الثقافة أو في مقولات لبعضهم الآخر ، أو القيام بترجمة كتب لأباطرة الصهاينة زعما أنها تعرفنا بالعدو بينما لبها وجوهرها يدعو للتطبيع معه !.. فالتطبيع هي غاية ما يريد العدو الحصول عليه منذ زرع في منطقتنا ، فلا شك أن وجوده في قلب عالم عربي رافض له يقض مضجعه ويقلقه ويستلبه الشعور بالأمان . من هنا تأتي أهمية تعرية هذا الخطاب وتفنيد مقولاته ، كونه يساهم في تزييف الوعي العربي وإقناعه بوجهة نظر العدو ، ولا أدري كيف يزعم هذا الخطاب التعاطف مع غزة بينما هو يكرر ذات الدفوع التي يتمترس خلفها العدو ليبرر جرائمه ؟! فالعدو يرقص طربا لهذه المقولات ويسارع في توظيفها لخدمة أهدافه القذرة ، كيف لا وهي تصدر من أقلام عربية مسلمة ؟!! وأعود فأكرر إن القصف بالكلمات لايقل جرما ولا بشاعة عن القصف بالنيران والصواريخ ، فهاهو بعض الإعلام العربي يرقص على دماء الفلسطينين ويدور على أشلائهم ، وما أوجع أن نسمع كاتبة عربية تدعو لطرد الفلسطينين ومصادرة أموالهم وترك جرحاهم يموتون وتخوين من يتعاطف معهم !!. فيما تصف ناشطة اجتماعية أخرى -تقدم في الإعلام الغربي على أنها صوت الشباب المعتدل في بلادها – دولة اسرائيل بدولة على الحدود الشرقية لبلادها تطمح وتحب زيارتها وإن كانت ترى أنه ليس من الحكمة فعل ذلك في هذا الوقت ، وهنا يتحول الأمر إلى تمترس أيدلوجي يغشي البصيرة .. يتحول معه العدو إلى مجرد دولة جارة غاية المنى زيارتها !!، ..كل هذا ونجد من يرفض إطلاق الخطاب المتصهين على مقولات من هذه النوعية السادرة في الخذلان والتنكر للقضيتنا الأم؟!
رغم التجني والانحياز الواضح والفاضح في الإعلام الأمريكي ومن قنوات على شاكلة BBC البريطانية ، ورغم ظلم بعض ذوي القربى ، إلا أن الله يقيض للحق رجالا ونساءا -لاينتمون للعروبة أو الإسلام- ليظهره على ألسنتهم !. فهاهو النائب البريطاني السابق (جورج جالوي) يستأسد في الدفاع عن فلسطين وفضح المزاعم الإسرائلية ، ويكاد الدم يتفجر من عروقه غضبا وغيرة على فلسطين وهو يفكك المقولات الصهوينية النمطية لمشاهديه . ( ديفيد ديوك ) هو الآخر ناشط أمريكي إنساني معني بالحرية والتعددية يساهم في كشف الأكاذيب الصهيوينة ، وله العديد من المقاطع الهامة على اليوتويب يفضح فيها تغلغل الصهوينية في مفاصل الإعلام والسياسية والمال في أمريكا ، وله موقع على الانترنت حافل وثري بالحقائق الدامغة . فضلا على الكثير من اليهود الشرفاء الذين يخرجون ليفضحوا مزاعم الصهوينية ويتظاهرون ضدها ، وصولا إلى شرفاء العالم الذين يتظاهرون مطالبين بفك حصار غزة ووقف الحرب الوحشية.
رغم الآلة الإعلامية الصهيونية الجبارة إلى أن التعاطف العالمي مع فلسطين وغزة يتنامى ويتكاثر يوما بعد يوم ، فالمتلقي لم يعد مرتهنا لوسائل الإعلام التقليدية اليوم ، والصورة اليوم تنتقل بضغطة زر إلى أرجاء الدنيا وأطرافها البعيدة !
للحقيقة ألف لسان ولسان تفصح به عن نفسها .. ولابد للحق أن ينتصر ولو بعد حين !
أمل زاهد