فلسطين ليست حكرا علينا

فلسطين ليست حكرا علينا
لم تكن الإعلامية الإيطالية من أصل فلسطيني ( رولا جبريل ) الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتعرض للتهميش والإقصاء في الإعلام الأمريكي ، نتيجة لموقفها ومحاولتها لكشف الحقائق فيما يتعلق بانحياز الاعلام الأمريكي الفاضح لإسرائيل . وكانت رولا قد انتقدت بقوة انحياز قناة MSNBC لإسرائيل ووصفته بالمثير للإشمئزاز ، وأكدت أن القناة لا تمنح الصوت الفلسطيني المجال الكافي للتعبير عن رأيه فيما يتعلق بالعدوان على غزة . وهنا كان لا بد من معاقبة رولا جزاءا وفاقا على فعلتها الشنعاء في كشف الحقائق ، فتم إلغاء ظهور تلفزيوني كان مقررا معها واستبعدت من القناة كمشاركة دائمة ، وأزيل مقطعها الناقد من اليوتوب! رغم ذلك تمكنت رولا من الظهور في أحد البرامج الحوارية بالقناة لمرة واحدة ، فأكدت أقوالها السابقة ، ولكن تم تصنيفها كصحافية فلسطينية في التعريف المكتوب على الشاشة بدلا من التعريف السابق الذي اعتادت القناة وصفها به (مشاركة ) ، وذلك للاستدلال على عاطفية رؤيتها وعدم موضوعيتها وفقدانها للحيادية، وفي محاولة لقلب الطاولة عليها لتبدو هي المنحازة لجذورها الفلسطينة !
كانت رولا قد أشارت أيضا في ذات اللقاء إلى استبعاد قناة NBC لأيمن محي الدين من تغطية حرب غزة بعيد كشفه لحقيقة ما يجري هناك ، وأكدت أنه لولا مواقع التواصل الاجتماعي والحملات المستعرة المناصرة لأيمن لما عاد للتغطية من جديد . (ديانا ماجناي) مراسلة قناة CNN التي عبرت عن اشمئزازها من الإسرائليين المنتشين بالقصف الصاروخي على غزة ، وغردت مطلقة عليهم وصف الحثالة كان مصيرها أيضا الاستبعاد من التغطية ونقلها إلى روسيا عقابا لها على جريمتها النكراء!. وليست قصة استبعاد الإعلامية القديرة الراحلة من أصل فلسطيني ( هيلين توماس ) من التغطية الإعلامية في البيت الأبيض عنا ببعيد ، بعد أن صرحت برأيها عندما سئلت عن الاحتلال الإسرائيلي فأجابت ليعودوا من حيث جاءوا وليخرجوا من فلسطين .
الأمثلة كثيرة جدا على الانحياز الإعلامي الأمريكي للصهيونية الإسرائيلية ومحاولاته الدؤوبة للتعتيم والتضليل والتجهيل وتزييف الوعي وقلب الحقائق . وجميع من يعمل في الإعلام الأمريكي يعلم تمام العلم ، أن التطرق للظلم الإسرائيلي خط أحمر سيوقعه حتما في تهمة معاداة السامية ،وسيبوء جراء ذلك بالغضب الإسرائيلي الساحق الماحق، وسينال ما يستحقه من إقصاء وتهميش !. فإسرائيل التي أزعجتها من قبل أغنية عفوية لشعبان عبد الرحيم تدرك تماما مفصلية الكلمة وسيفها البتار ، وقدرة الإعلام على توجيه الرأي العام وشحنه ليضغط على حكوماته لتتخذ موقفا ضد ما يحدث من ظلم . فالمعركة الإعلامية سلاح قوي فعال ، والكلمة لا تقل مضاءا وفاعلية عن الرصاصة والقنبلة ، والكاميرا اليوم مدفعية ، والصورة سهم نافذ في قلب الضمير العالمي . وكما تدور المعارك الطاحنة في ساحات الوغى ، تطلق نبال الكلمات وسهامها إما لتصيب العدو في مقتل عندما تكشف الحقائق وتقصف الأكاذيب ، أو لتناصر العدو وتتواطأ معه في حربه!!
والمتأمل للإعلام العربي اليوم سيلاحظ إعادة إنتاج مايقوله العدو من أكاذيب عن حقه في أرض فلسطين ، أو ترهات بيع الفلسطينين لأرضهم – وهي أكبر فرية روجها العدو- ، أو تحميله للمقاومة وزر الحرب والتهكم بإنجازاتها وما تفعله على الأرض ، وصولا لاختزال القضية في مقاومة ضعيفة تناطح طواحين الهواء وعدو جبار قوي لا يمكن قهره ، .في محاولة لبث الروح الانهزامية والاستسلام للأمر الواقع واليأس من فعل المقاومة نفسه . ناهيك عن محاولة الدفع بإتجاه التطبيع مع العدو ، أيا كان شكل هذا التطبيع ، وقد بتنا نشاهد ونسمع محاولات مستترة خبيثة وأخرى ظاهرة جلية للتطبيع مع العدو!، سواء في تغريدات بعض الشخصيات المحسوبة على الثقافة أو في مقولات لبعضهم الآخر ، أو القيام بترجمة كتب لأباطرة الصهاينة زعما أنها تعرفنا بالعدو بينما لبها وجوهرها يدعو للتطبيع معه !.. فالتطبيع هي غاية ما يريد العدو الحصول عليه منذ زرع في منطقتنا ، فلا شك أن وجوده في قلب عالم عربي رافض له يقض مضجعه ويقلقه ويستلبه الشعور بالأمان . من هنا تأتي أهمية تعرية هذا الخطاب وتفنيد مقولاته ، كونه يساهم في تزييف الوعي العربي وإقناعه بوجهة نظر العدو ، ولا أدري كيف يزعم هذا الخطاب التعاطف مع غزة بينما هو يكرر ذات الدفوع التي يتمترس خلفها العدو ليبرر جرائمه ؟! فالعدو يرقص طربا لهذه المقولات ويسارع في توظيفها لخدمة أهدافه القذرة ، كيف لا وهي تصدر من أقلام عربية مسلمة ؟!! وأعود فأكرر إن القصف بالكلمات لايقل جرما ولا بشاعة عن القصف بالنيران والصواريخ ، فهاهو بعض الإعلام العربي يرقص على دماء الفلسطينين ويدور على أشلائهم ، وما أوجع أن نسمع كاتبة عربية تدعو لطرد الفلسطينين ومصادرة أموالهم وترك جرحاهم يموتون وتخوين من يتعاطف معهم !!. فيما تصف ناشطة اجتماعية أخرى -تقدم في الإعلام الغربي على أنها صوت الشباب المعتدل في بلادها – دولة اسرائيل بدولة على الحدود الشرقية لبلادها تطمح وتحب زيارتها وإن كانت ترى أنه ليس من الحكمة فعل ذلك في هذا الوقت ، وهنا يتحول الأمر إلى تمترس أيدلوجي يغشي البصيرة .. يتحول معه العدو إلى مجرد دولة جارة غاية المنى زيارتها !!، ..كل هذا ونجد من يرفض إطلاق الخطاب المتصهين على مقولات من هذه النوعية السادرة في الخذلان والتنكر للقضيتنا الأم؟!
رغم التجني والانحياز الواضح والفاضح في الإعلام الأمريكي ومن قنوات على شاكلة BBC البريطانية ، ورغم ظلم بعض ذوي القربى ، إلا أن الله يقيض للحق رجالا ونساءا -لاينتمون للعروبة أو الإسلام- ليظهره على ألسنتهم !. فهاهو النائب البريطاني السابق (جورج جالوي) يستأسد في الدفاع عن فلسطين وفضح المزاعم الإسرائلية ، ويكاد الدم يتفجر من عروقه غضبا وغيرة على فلسطين وهو يفكك المقولات الصهوينية النمطية لمشاهديه . ( ديفيد ديوك ) هو الآخر ناشط أمريكي إنساني معني بالحرية والتعددية يساهم في كشف الأكاذيب الصهيوينة ، وله العديد من المقاطع الهامة على اليوتويب يفضح فيها تغلغل الصهوينية في مفاصل الإعلام والسياسية والمال في أمريكا ، وله موقع على الانترنت حافل وثري بالحقائق الدامغة . فضلا على الكثير من اليهود الشرفاء الذين يخرجون ليفضحوا مزاعم الصهوينية ويتظاهرون ضدها ، وصولا إلى شرفاء العالم الذين يتظاهرون مطالبين بفك حصار غزة ووقف الحرب الوحشية.
رغم الآلة الإعلامية الصهيونية الجبارة إلى أن التعاطف العالمي مع فلسطين وغزة يتنامى ويتكاثر يوما بعد يوم ، فالمتلقي لم يعد مرتهنا لوسائل الإعلام التقليدية اليوم ، والصورة اليوم تنتقل بضغطة زر إلى أرجاء الدنيا وأطرافها البعيدة !
للحقيقة ألف لسان ولسان تفصح به عن نفسها .. ولابد للحق أن ينتصر ولو بعد حين !
أمل زاهد