حوار مع الروائي المبدع يوسف المحيميد

حوار مع المبدع يوسف المحيميد

يمسك ضيفنا ببراعة وحرفية بحبال السرد ، ويترك الخيط يزيغ من يديه مطلقا العنان للطفل الباذخ الدهشة داخله ليشعل فتيل الابداع ويرواغ طزاجة الأشياء وجدتها .. ليقود قراءه إلى تخوم لم يخبروها وحيوات لم يعيشوها .. الكتابة بالنسبة له ليست فقط مضاد حيوي للكآبة والبؤس بل وسيلة لمقاومة الموت الذي يحاول التقام حواسنا ورغبتنا في الحياة قبل أن تغمض أعيننا .. إنه الروائي المبدع يوسف الميحميد في حواره الشفيف معنا على صفحات الآطام

وأنا أقرأك وأتلمس طريقي في تجربتك المرصعة بالإبداع والجمال ، لمحت طفلا لامع الذكاء وحاد الملاحظة .. يقبع داخلك ، وهو قادر دوما على استيلاد الدهشة وإشعال نارها من بطن العادي والمألوف .. كيف يستطيع يوسف المحيميد الاحتفاظ بهذا الطفل المكتنز بالدهشة داخله في خضم تفاصيل الحياة المرهقة والرتيبة؟
– كنت أقول دائماً، ومنذ بداياتي المبكرة، أن الإبداع والدهشة لا ينفصلان، فلا يمكن أن تدهش القارئ بنصك المكتوب ما لم تحمل الدهشة في داخلك، أزعم أنني أمتلك عين طفل يكتشف الحياة للمرة الأولى، يمتلك الدهشة الأولى لرؤية الأشياء، كي يكتبها، كم أشعر بسعادة نادرة حينما تعلو حساسيتي تجاه الأشياء من حولي، ويصبح أي شيء، وكل شيء، قابل للكتابة

• من الذي ينصب الفخاخ والمصائد للقراء في نصوصك، هل هو الطفل الفاقع الدهشة والمحمل بالأسئلة ، أم الروائي المتمكن من أدواته السردية والحرفية ؟ وهل الأشياء الأجمل هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل كما يقول( اندريه جيد)؟
– كلاهما شريكان في نصب الفخاخ، الأول يكتشفها، ويشير إليها، والثاني بأدواته وخبراته يضعها في المكان المناسب، فخريطة السرد طويلة ومتشعبة، تشبه المغارة ودهاليزها، تنصب الفخاخ السردية في العطفات، كي يتعثر بها القراء، ويسقط معظمهم تحت وطأة الغواية، كالطفل الذي يتتبع الضوء في المغارة، فيتعثر في كمين الدهشة. الكتابة السردية في مجملها هي خليط من الجنون والعقل، ينظمها العقل ويديرها، ويجلب مصادرها، ثم يتركها أمام خيط رفيع من الجنون والفوضى، كم أحب مقولة الفرنسي لوكليزيو عن خيط السرد: دع الخيط يزيغ من يدك! بالضبط هي هذه اللحظة الفاتنة حين يفلت خيط السرد بوعي، حتى وإن بدا جنونا وفوضى!

• يقول محمد برادة عن الكتابة الفنية أنها وهم بديل يشكل وسيلة لفهم العالم والناس وهي تعويض عن حرمان ما ، سؤالي هل الكتابة معادل موضوعي لانحباس الكاتب في سجن الجسد والزمان والمكان والمصير أم هي وسيلة للتصالح بين متناقضاته؟ .. ماذا تعني الكتابة ليوسف المحيميد؟
– هي أفضل مضاد حيوي للاحتقان والاكتئاب والبؤس، أظن أن الحياة مليئة بالخوف والقلق والحزن، لا يجابهها إلا الكتابة، فأنا أقاوم الحزن والقلق بالكتابة، كانت أمي – يرحمها الله – حتى قبيل وفاتها تدرك أنني لا أكتب حينما أنقطع عن الكتابة، وتسألني بحب، لماذا لا أكتب، لأن الكتابة ترفع هرمون السعادة والطمأنينة كثيرا، وهي بالضرورة مرتبطة بشكل وثيق بالقراءة، كلاهما مصدر هدوء وراحة، فالكتابة بالنسبة لي هي الطريق الوحيد نحو الحياة، فمن خلالها أقاوم الموت، ذلك الموت الذي يأكل أطرافنا وحواسنا قبل أن تغمض أعيننا بشكل أبدي.

• هناك من يرى أن الرواية عالم متكامل يعرض من خلاله الكاتب تصوره للوجود ويحدد موقفه وموقعه من الكون والحياة المبني على رؤى فلسفية عميقة ، بينما يرى آخرون أن الكتابة لعبة ينجر فيها الراوي لفتنة السرد وخلق الشخصيات والأكاذيب الجميلة حيث لا غرض إلا ذات الحكي نفسه ، وبطلك الروائي في (لغط موتى) يقول أن كتابة رواية تحتاج إلى فكين شرسين لا يكفان عن الهذيان .. ما مفهوم يوسف المحيميد للرواية ؟
– أجمل ما في الرواية هذا التنوع المذهل فيها، من يقرأ الرواية الكلاسيكية مثلا، ورواية الحداثة، وما بعد الحداثة، سيكتشف هذا التنوع، ومن يقرأ الرواية الروسية، والأوروبية، ورواية أمريكا اللاتينية، ورواية اليابان وإفريقيا، سيلاحظ هذا التنوع أيضاً، فمثلا رواية زوربا اليوناني لكازنتزاكي، أو رواية جاك القدري لبيدرو، أو عالم صوفي لغاردر، وغيرها، تمنح هذه الطاقة المذهلة، في تأمل الكون والحياة برؤى فلسفية فذة ومتنوعة، بينما نجد أعمالا أخرى، كأعمال هنري ميللر، وموراكامي، وغيرهما، تضج بالحياة والروح الرفرافة في شخصياتها، وبالنسبة لي يزداد شغفي بهذا التنوع والثراء، فليس المهم ماذا نريد من الرواية، وأي نوع، بل كيف نفعل ذلك، وننجح!

• يقول هرمان بروخ : اكتشاف ما يمكن للرواية وحدها أن تكتشفه هو ما يؤلف مبرر لوجود الرواية، إن الرواية التي لا تكشف جزءا من الوجود لا يزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية .. هل تتفق مع مقولة بروخ ، في رأيك ما هو مبرر وجود الرواية؟ وماهي وظيفتها؟
– هذه مقولة جازمة ويقينية، وإن كانت صحيحة في جانب منها، إلا أنها ناقصة، فهل على الرواية كشف المجهول؟ أم المسكوت عنه؟ أم المغفل والمخفي؟ أم المهمل والهامش؟ ومع كل هذا الكشف، لابد أن تمتلك أدواتها الفنية الخاصة، التي تنقذها من الوقوع في براثن الخطابات، سواء كانت خطابات سياسية أو اجتماعية أو فكرية، فهي خطاب سردي فني جمالي، يستثمر السابق كله. وأعتقد أن مبرر وجود الرواية هو ذاته مبرر الآداب والفنون كلها، فلكِ أن تتخيلي العالم بلا سينما، ولا مسرح، ولا رواية، ولا شعر، ولا تشكيل، ولا فوتوغراف، كم سيصبح هذا العالم أحمقاً ومملاً، فالرواية تهب الحياة الحياة، أكاد أجزم أن الحياة لا تطاق بلا سرد، وسينما، وموسيقى!

• هل يحتاج الكاتب للعزلة والابتعاد عن شواطئ الضجيج ونصب الحياة ليستبطن ذاته ويكتشفها ومن ثم يعيد اكتشاف العالم من خلالها ، .. أم يحتاج للتلاحم مع الناس والتماهي مع تفاصيلهم ، هل يجد يوسف المحيميد ضالته ومادته الروائية في العزلة أم في الانصهار مع الحيوات من حوله؟
– حينما أتهيأ للكتابة، أستطيع أن أكتب حتى لو كنت فوق فوهة بركان، لو كان الزلزال يربك القلم في يدي، لا أخشى الضجيج، ولا يأخذني إطلاقاً حينما تتلبسني حالة كتابة باذخة، حالة ممتلئة، وفي المقابل لا يمكن أن أكتب حرفا واحدا، ولو كنت في جزيرة معزولة، طالما أنني لست في استعداد نفسي للكتابة، مادتي الروائية ها هنا (أشير إلى رأسي الآن) بعيداً عن العزلة، وبعيدا عن الضجيج!

• يقول جابرييل غارسيا ماركيز أن الرواية تبدأ عنده بصورة معينة تلح عليه ثم ينطلق منها ، ويقول بول أوستر أن كتبه تبدأ بوخزة في الرأس أو موسيقى من نوع ما أو إيقاع ؟ كيف تبدأ الرواية أو عملية الكتابة السردية عند يوسف المحيميد ، وهل يحتاج العمل للإنضاج داخلك كثيراً؟
– حينما تتحفز حواسي كذئاب الليل، يجب أن تنقاد الفريسة نحوها، أعني الرواية الجديدة، وهي حالة ملحّة تماماً، حينما تعترضني الشخصية مراراً خلال اليوم، حينما يحدث المشهد تلو المشهد أمامي، حينما تتحرك الشياطين اللا مرئية، وأكون ساهما ذاهلا بما يجري حولي، بما أراه وحدي، ولا يراه أحد، يجب أن أبحث عن زاوية مهملة من البيت، وأكتب… بالمناسبة، كانت تحرجني القنوات الفضائية حين تزورني في بيتي لتصوير حوار ما، أو تقرير، ويبحثون عن مكتبة بالمعنى التقليدي، طاولة، وكتب مبعثرة، وأقلام، ومماحي، ولوحات، وأكواب قهوة منسية… فأخذلهم حين أقول أن مكتبتي أصابعي، أنقر بها في أي مكان وزمان، فحين تحضر الكتابة، تتبعها طقوسها، وليس العكس.

• الصورة الفوتوغرافية ماذا تعني للروائي يوسف المحيميد، وهل استفدت من التصوير الفوتوغرافي في تجربتك السردية؟
– حتماً، التصوير الفوتوغرافي هو نسيجي الذي لا يفارقني، الصورة تتمثل أمامي في كل شيء، تأسرني الزوايا المختلفة للصورة الواحدة، وهي تشبه احتمالات السرد كثيراً، في تعددها، وقد استفدت كثيراً من الصورة في النسيج الروائي، قراءة الصورة وسبر تفاصيلها واحتمالاتها وخباياها، لا تختلف عن خبايا السرد واحتمالاته!

• إذا ما اعتبرنا الشخصيات كائنات حية يخلقها الروائي ويراها تنمو وتترعرع أمامه وتتطور، هل سبق وأن تمردت شخصياتك على خرائطك وخططك لصيرورتها وأنت تخوض عملية السرد، فذهبت بقلمك رغما عنه إلى طريق لم تكن تنتويه؟
– كثيرا، بل أغض الطرف عن تمردها، وأحيانا أدفعها لأن تتمرد، شرط ألا تبالغ في انزياحها، وتُفقد السرد متعته، فقط لنزوة أو أنانية عابرة، بمعنى أن خريطة السرد، هي توضح دهاليزه المجهولة، لكن الدخول فيها قد يحوّل سير هذه الشخصية أو تلك، وهو أمر مقبول على ألا يشتت السرد ويضيعه.

• هل تتوحد مع شخصياتك وأنت تكتب وهل تفرغ منهم بمجرد الكتابة؟ وهل يمكن أن تتلبسك شخصية معينة فتجد صعوبة في الخروج من أسرها ومن معاناتها النفسية؟
– لابد أن أفعل ذلك، أن أتوحّد معها، أو أتلبسها، أو بالأحرى تتلبسني، فأتحدث بلسانها من زاوية رؤيتها، ووعيها، ومنطقها، وعادة بعدما أنجز رواية ما، أبحث عن كتابة مختلفة، للتخلص من عبء الشخصية، لكن بمجرد أن يتم نشرها، تصبح شيئاً غريبا عني، حتى شخصياتها أشعر نحوها بحياد.

• هل توافق على أن شخصيات الكاتب حتى لو كانت لا تشبهه لابد أن تحمل جزءا منه؟ وهل تتفق مع (أمبرتوإيكو) حين يقول : كل رواية هي سيرة ذاتية ؟
– بالطبع، تحمل الرواية بعض ملامح شخصية كاتبها، بعض عاداته، بعض أماكنه التي يرتادها، لكنها ليست سيرته الذاتية، وهذا ما أختلف فيه مع إيكو، إلا إذا كان يقصد أن كل رواية هي سيرة ذاتية ما، لشخص ما، لكنها حتماً ليست سيرة كاتبها، وإلا لكتب كل روائي رواية واحدة، هي سيرته الذاتية، ثم كفَّ عن الكتابة.

• عند معظم الروائيين السعوديين تتموضع القصة القصيرة كمرحلة أو عتبة لابد من المرور بها للولوج للكتابة الروائية، هل ترى المرور بالقصة القصيرة عنصر أساسي لإنضاج التجربة والتمكن من الأدوات السردية؟
– لا، هذا ليس صحيحا، ليس معظمهم، بل بعضهم أو حتى القليل منهم، فمعظم الأسماء الشابة كتبت رواياتها الأولى مباشرة، دون تجربة فن القصة القصيرة، ربما معظم كتاب جيلي الذي بدأ في الثمانينيات، هم من عشق القصة القصيرة، وكتبوها شغفاً بها، ليس كعتبة للوصول إلى الرواية، وهي بالطبع ليست عنصرا أساسيا لنجاح كتابة الرواية، مع أنها بالطبع تختزل مرحلة التجريب واكتشاف جماليات اللغة السردية.

• مع كل الصخب الروائي الذي يحيط بنا وتسيد الرواية في المشهد والاقبال على كتابتها وقراءتها ، هل نستطيع أن نقول أن القصة القصيرة تعيش حالة احتضار وأنها في طريقها للاختفاء؟
– للأسف نعم، أخشى أن تختفي تماماً أمام سطوة الرواية، كان يمكن أن تستمر وتتطور لو بقيت محفزات البقاء والتطور، فلو بقي نادي القصة السعودي، ولم يتم إلغاؤه، بل تطويره ووضع خطط وبرامج له، ولإصداراته، بل ووضع جائزة باسم النادي، أو باسم أحد فرسان القصة القصيرة بالمملكة، لتغير مستقبل القصة القصيرة كثيرا، وجذبت الأضواء والكتّاب الجدد، وحدث فيها الكثير من التطور والازدهار… هذا ما فعلته بعض الثقافات قبل بضعة سنوات، ففي بريطانيا تم إطلاق جائزة رصينة ومتميزة خاصة بالقصة القصيرة… كم أتمنى مبادرة الجهات الثقافية المسؤولة بدعم هذا الفن الرائع.

• استطاعت الرواية السعودية اختراق تابو الجنس، كما رصدت ملامح الانغلاق الديني والحجر على الحريات الفردية، ولكنها لا تزال تدور حول الحمى إذا ما تعلق الأمر بتابو السياسة، ألا ترى أن تجاوز السياقات السياسية والتركيز على الاجتماعي والديني يساهم في تزييف الواقع؟
– بالطبع، ولكن هذا أمراً ليس سهلا، ليس على مستوى الخسائر المحتملة فحسب، بل حتى على مستوى الوعي السياسي للروائي، وكذلك فهمه لاستخدام السياسي وتوظيفه في عمل أدبي بشكل عميق، غير مباشر وفج، فالرواية يجب أن تحافظ على هويتها الأدبية، دون الوقوع في براثن الخطاب السياسي المباشر وسطوته، فضلا عن معاناة الروائي في توفر مصادر مختلف المعلومات، بينها السياسية، وهذا الأمر الذي تحوّل فيه الروائي إلى باحث، استهلك وقته في مناطق ليست من اختصاصه.

• عندما قرأت رواية (فخاخ الرائحة) سحرني كمتلقية ذلك الانتقال الرشيق والبارع بين ضمير المتكلم والغائب العليم ، هل توافق الناقدة الجميلة لمياء باعشن على أن هذا التنقل ليس إلا تعبيرا عن ذاكرة واحدة متشظية إلى مجموعة من الرواة ، عبر سارد ضمني يقبع خارج شبكة السرد؟
– كنت أريد التنقل بين الضمائر بخفّة، في لحظة أذوب في الشخصية وأتوحد فيها، وفي لحظة تالية أعلو لأرى العالم تحتي، قد لا يكون ذلك عبارة من ذاكرة واحدة متشظية، بل ذاكرات متعددة، وذوات متشظية ومتوحدة في الوقت ذاته، بمعنى أن السارد الخفي يقبع داخل السرد وخارجه، ينصت حيناً، ويتحدث أحيانا.

• لماذا تأخرت في نشر رواية ( لغط موتى ) ؟ هل كنت متوجسا من عدم فهم المتلقي لما تريد قوله ، وعدم تقبله لآليتها التجريبية ولغتها السادرة في الشعرية وأحيانا الرمزية؟
– لا، ليس الأمر كذلك، بل ببساطة لم أجد لها ناشرا في البداية، هذا ما عطل نشرها لسنوات، حتى نشرها اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ولكن بطريقة مشوهة، فبادرت دار الجمل بنشر العمل بشكل أكثر تنظيما واحتراما. كنت أدرك أنني ألعب في منطقة صعبة، وأعرف أنني أتحرك في منطقة خارج حدود ذائقة القارئ التقليدي، لكنني كنت أستمتع بذلك، لقد كنت أنانياً بشكل أو بآخر.

• هل تضع المتلقي نصب عينيك وأنت تكتب وهل يمارس عليك سطوة من نوع ما خلال عملية الكتابة ، أم أن الناقد هو من يفعل ذلك؟
– لا، لا أحد من هؤلاء، أضع شخصياتي فقط نصب عيني، وأطمئن على حراكها وأفعالها ومشاعرها، وأنني لم أخذلها، ولم أكذب على لسانها، وقد يحدث أن أفعل، لذلك أستغل هذه المساحة لأعتذر من أي شخصية خذلتها، وحمّلتها ما لا تتحمله، ونقلت على لسانها الأقاويل والأكاذيب.

• هناك من يرى ومنهم الناقد عبد الله الغذامي أن الكتب والروايات الأكثر مبيعا تفتقر غالبا للعمق والقدرة على الكشف وسبر الأغوار، هل ترى أنه من الصعب الوصول لمعادلة النجاح الجماهيري مع الاحتفاظ بالقيمة الفنية العالية؟
– لا طبعا، يمكن الوصول إلى ذلك، وهناك العديد من الأمثلة، خاصة في الغرب، فمثلا (اسم الوردة) لأمبرتو إيكو، نجحت فنيا وجماهيريا، وغيرها الكثير، قصة مدينتين لديكنز، الأمير الصغير، الخيميائي… إلخ.

• هناك من يقول بنهاية زمن الرواية وبداية زمن السيرة الذاتية ، فيما يقول (ميلان كونديرا ) أن الرواية لا تختفي بل يتوقف تاريخها ولا يبقى بعدها إلا زمن التكرار الذي تعيد فيه الرواية إنتاج شكلها المفرغ من روحه .. هل وقعت الرواية السعودية في المجمل بمأزق التكرار ؟ وهل حان زمن السيرة الذاتية في رأيك؟
– لا، لا أعتقد. فالسيرة كانت موجودة منذ زمن مبكر، وبعض السير المكتوبة مبكراً تفوق فنياً معظم الروايات الجديدة، كسيرة الرائع عزيز ضياء، المعنونة ب (حياتي مع الجوع والحب والحرب). شخصياً لا أتوقع سيطرة السيرة عندنا كما هي في الغرب، لأننا لا نمتلك الجرأة، لنكتب عن ذواتنا، وخيباتنا، وخدائعنا، بكل صدق ووضوح.

• إذا ما أتفقنا أننا جميعا نحمل إيدلوجية معينة نزن بها الأمور ونحكم من خلالها على الأشياء ، هل تتفق مع من يرى أن رواية ( الحمام لا يطير في بريدة ) وقعت في فخ الايدلوجيا المضادة للنسق الثقافي السائد، وأنها لم تسلم من الخطابية والتقرير؟
– لا أعتقد فيما يخص الرواية، وإن كنت أوافق على أننا جميعاً نحمل أيديولوجية ما، تؤثر فينا، في رؤيتنا للحياة والأشياء من حولنا، وهذا أمر طبيعي، حتى على مستوى الشخصيات الروائية، ثمة أيديولوجيا قد تحكمها، وتتحكم فيها، وفي سلوكها، وفي مواقفها، وهذا السلوك أو المواقف قد تظهر بشكل أكبر، وأكثر وضوحا، حينما يصبح الواقع الاجتماعي السائد ضاغطاً، وقد يظهر ذلك على لسان الشخصية أحياناً.

• لك تجربة ثرية في أدب الطفل كما أشرفت على تحرير مجلة ( الجيل الجديد) المعنية بأدب الطفل وثقافته ، في رأيك ما أسباب الفقر الشديد في مجال أدب الطفل والناشئة في مشهدنا العربي عامة والسعودي خاصة؟
– أدب الطفل والناشئة يحتاج إلى بيئة فاعلة ومحفزة، أما أن يتم التعامل مع أديب وكاتب الآطفال، ككاتب من الدرجة العاشرة، ليس له قيمة ولا اهتمام، فسيحبط كثيراً من هؤلاء الكتاب، وهذا ما يحدث فعلاً في العالم العربي، والسعودي بشكل خاص، لم يظهر لدينا كاتب أدب طفل متخصص، ومخلص تجاه فنّه، لعدم وجود الاهتمام والرعاية، سواء على المستوى الرسمي، أو على مستوى النشر والتوزيع، وما شابه ذلك.

• لا يسعني إلا شكرك على التفضل بإجراء هذا الحوار ، واختم بسؤال : بماذا يحلم يوسف المحيميد؟
– أن أتفرغ للكتابة، وأتخلص من عبء الوظيفة، على أن يكون لدي دخل معقول يحفظ لي العيش بشكل لائق، هل هذا صعب؟
ملاحظة : نشر الحوار في دورية الآطام التابعة لنادي المدينة المنورة الأدبي

أضف تعليق