مضاد للجن!

 

لم تكن تغريدة الرَّاقي الشرعيِّ، الذي زعم أن جنِّيًّا يراسله على جواله بدعًا من الثقافة، فسنجد مفردات الخرافة، والتغييب، وتسويق الوهم والأكاذيب تجري ليس فقط على ألسنة العوام، بل وصلت خزعبلاتها إلى بعض المتعلّمين، وفيهم أصحاب تخصّصات علمية! وليست قضية (قاضي الجن) عنّا ببعيد الذي اختلس ٦٠٠ مليون ريال، موظِّفًا العقل الخرافي، وسطوته على الثقافة والمسارات الذهنية للعقل الجمعي! بل إن سوق بيع أوهام السحر والشعوذة، وسيطرة الجان على الناس، وتلبّسهم بهم يشهد ازدهارًا حاليًّا، وسلعه وضلالاته تجد رواجًا كبيرًا في المجتمع، وتنتشر انتشار النار في الهشيم. ممّا يحتم إثارة الأمر كقضية رأي عام لما تسببه من تدمير للأفراد والأسر والمجتمع! وهنا لابد من الأخذ على أيدي تجار الرقية الذين يقتاتون على مخاوف الناس وقلقهم وأمراضهم النفسية، زارعين في نفوسهم وَهْم قدرتهم على حل مشكلاتهم، بينما هم في الحقيقة يلقون بهم في دوامة ليس لها قرار! ممّا يقتضي أيضًا فتح المجال للأصوات الواعية من أمثال الشيخ علي العمري، الذي أكد سابقًا أنّه لا يمكن للجنّ التلبّس بالإنسان من خلال الحالات التي رآها.

لو تأملنا من حولنا سنجد أن تفسيرات الوقائع في المجتمع يسيطر عليها العقل الخرافي، وهنا يصبح اللامعقول واللامنطق سيّدًا على المنطق! وعندما تحضر الخرافة يتوارى التفكير العقلانيّ القائم على مَنْطقة الأمور وإحالتها إلى أسبابها الموضوعية، ويرتفع صوت الماورائيات بتهويماتها وضلالاتها!

وبدلاً من حل مشكلة بين الزوجة، وزوجها، والبحث عن جذرها، وأسبابها، يحال السبب للخادمة الساحرة التي أخذت من أثرهما، وهي راحلة إلى بلادها، ثم أردتهما سحرًا قويًّا، الذي وياللعجب.. لا يبطل تأثيره رغم توالي الرقاة! وهلم جرّا في كثير من الخلافات والقضايا الأسرية، بل والأمراض النفسية التي تُحال للمشعوذين، وتجار الرقية بدلاً من الأطباء النفسيين، أو الاستشاريين الاجتماعيين، والمفارقة أن يخاف المرء من حبّة دواء التي يكتبها الطبيب النفسيّ، ولكنه لا يرتعب ممّن يزرع الخرافة والأوهام في عقله!

عندما تحضر الخرافة أيضًا يرتفع صوت غريزة الخوف عاليًا، وتتعطّل قدرات الإنسان في التحليل، ومنْطقة الأمور وإرجاعها لأسبابها، فيرتكس إلى البدائية، وترتعد فرائصه خوفًا حتى من ظله، ويسهل السيطرة عليه وحقنه بشتّى أنواع الإيحاءات! ولإحكام تمام السيطرة تقمع الأسئلة العقلانية، ويشهر السلاح الأمضى، وهو التشكيك في العقيدة والإيمان بالغيب، إذا ما تجرّأت على تفصيح الأسئلة، بينما شتان بين الإيمان بالغيب، والتردّي إلى مهاوي الخرافة!

يؤكد البروفيسور إبراهيم بو خمسين استشاري الطب النفسي أنه يعالج بعض مرضى ضلالات الجن بالعقاقير (النفسية)، وعندما يبدأون بالتحسّن يرمي حجر السؤال في عقولهم قائلاً: إمّا أنّه لم يكن هناك جنِّي من الأساس، وإمّا أن العقار الموصوف ليس إلاَّ مضادًا للجنِّ.. وهو بالتأكيد ليس كذلك!

  أمل زاهد

رابط المقال في المدينة

http://www.al-madina.com/node/645356

أضف تعليق