لن نرضع .. لنسوق!

تم نشر هذا المقال عام ٢٠١١ ، ولأن شائعة مغرضة عادت لتنتشر مرة أخرى أعيد نشره في مدونتي للمرة الثانية وكان قد نشر أيضا في موقع منبر الحوار  والابداع

لن نرضع .. لنسوق !

أمل زاهد

تستدعي كثير من عجائبيات ومهازل خصوصيتنا السعودية العصماء الضحك والسخرية، ورغما عن أنف قلمك ستجده مجبرا على مقاربتها من باب التندر والسخرية، فشر البلية ما يضحك .. وهو ضحك– لعمري- أشبه بالبكاء، فالتعامل مع الأوضاع اللامنطقية البعيدة عن العقل والعقلانية يقتضي السخرية اللاذعة؛ وتوسل حسك الساخر علّه ينتشلك من واقعك المرير ويخفف من لذع تلك التناقضات العجائبية ..! تقع قيادة المرأة السعودية للسيارة على رأس جدلياتنا العجائبية التي ينبري لها المناهضون رفضا وممانعة ودراسات وفرضيات ستدك فيها قلاع الفضيلة في حال استلمت المرأة مقود السيارة..! بينما يستل المدافعون عنها أسنة أقلامهم ليشبعوها دفوعا ومناصرة وحججا اقتصادية وأمنية وخلافه، وكل حزب بما لديهم متمسكون ولن يقتنع أي منهما بحجج الآخر؛ حتى ليبدو الحوار بين الحزبين أشبه بحوار الطرشان.. وهنا لا بد أن ينتابك شعور مرير بالعبث واللاجدوى فلا زلنا نناقش قضايا تجاوزها الزمن والتاريخ بل والجغرافيا معا، فلا يوجد امرأة على وجه البسيطة محرومة من حق سياقة مركبتها وحرية التنقل وقضاء حوائجها سوى المرأة السعودية..! من هذا المنطلق الممعن في السخرية ومن الشعور الممض بعبثية هذه الجدليات، تناولت قضية قيادة المرأة للسيارة العام الماضي في مقالة ساخرة بجريدة “الوطن” بعنوان “يا نسوق.. يا نرضع” وذلك على خلفية الفتوى الأشهر من نار على علم للشيخ العبيكان المجيزة لإرضاع الكبار..! وكان عنوان مقالتي مقتسبا من تعليق تفاعلي ساخر على شبكة الانترنت ينادي بحملة وهمية افتراضية، تهدد فيها النساء الرجال بإرضاع السائقين في حال لم يسمح لهن بالقيادة..! وهنا تلقف بعض محبي إثارة الفرقعات الإعلامية عنوان المقالة دون القاء بال لمحتوى المقالة نفسه، وراحوا ينسبون لي رفع لواء حملة لقيادة المرأة للسيارة تحمل عنوان مقالتي..! وعبثا كتبت أوضح أن مقالي كان ساخرا رمت منه نقد الفتوى الشاذة، وأكدت من خلاله أن الفتاوى الشاذة تقود بالضرورة إلى فهم شاذ مؤكدة ذلك باستشهادي بعدد من التعليقات التفاعلية؛ أو تصبح مدعاة للتهكم والسخرية في عالمنا الصغير جدا والذي يكفي أن تعطس فيه لتصل أصداء عطستك إلى الدنيا بأسرها، وبذلك تسيء هذه الفتاوى الغريبة الشاذة إلى ديننا العظيم وتشوه صورته وتجعل منا مضغة في أقلامهم وإعلامهم..!

الطريف أن عنوان المقالة لا يزال يلاحقني، فبعيد مبادرة منال الشريف الشجاعة نشرت جريدة “الرأي” الكويتية ذات الخبر عن حملة أقودها رافعة شعار (يا نسوق..يا نرضع)، وراسلني بعض الأصدقاء والصديقات ليستفسروا عن صحة الخبر..! لن نرضع.. لنسوق يا سادة ياكرام، ولن نطالب بحقنا المشروع في قيادة السيارة وحرية التنقل وقضاء حوائجنا عن طريق استخدام الفتاوى الشاذة المسيئة لديننا والمهينة لكرامة المرأة، بل سننال هذا الحق عاجلا أم آجلا فلا يمكن الوقوف في وجه سيرورة التاريخ..! ولا بد أن تأتي مطالبتنا بهذا الحق من منطلق حقوقي مدني لا يقحم الفتاوى أو الدين، ولا يتورط في دفوع تسرد مثالب السائق أو الحجج الاقتصادية وخلافه ، فالقضية قضية حق مستلب من المرأة السعودية لا يصح حرمانها منه وكفى بذلك حجة. لا يجب في تقديري أيضا الانزلاق للاستفتاء على هذه القضية، فالحقوق لا يُستفتى عليها ولو كانت نسبة الراغبات في ممارسات هذا الحق ضئيلة جدا فلا يصح حرمانهن من هذا الحق..!
منذ أن انطلقت الرائعة منال الشريف بمبادرتها بقيادة سيارتها، وتلا ذلك سجنها ثم الإفراج عنها وجدلية القيادة تحتشد في المنابر الصحفية وتدبج فيها المقالات وتفرد لها البرامج الحوارية على الفضائيات؛ بل واحتلت حيزا كبيرا في الصحافة الأجنبية مطلقة الكثير من التساؤلات عن أوضاع المرأة السعودية وحقوقها. وستظل القضية تشتعل حينا وتهدأ حينا آخر حتى يقضي القرار السياسي أمرا سيكون مفعولا، فلا يمكن القضاء على الممانعة الاجتماعية والجدليات العقيمة المهدرة للعقول والوقت إلا بقرار سياسي شجاع يضع الأمور في نصابها.

مللنا من تكرار هذه الجدليات البائسة التي استهلكت أقلامنا ومشهدنا الثقافي وسئمنا من الرد والرد المضاد، ومللنا سماع الدفوع المناهضة والأخرى المدافعة، بينما الحل في يد السياسي يفعّله وقتما يشاء وحينها سينتهي الجدل العقيم وسيصمت الممانعون.. ألم يحن وقت انبلاج هذا القرار بعد؟!

أضف تعليق