حوار عن قضية المرأة أجراه معي الصحفي عبد الحي يوسف

———————————
** قضايا المرأة ومشكلاتها هل بقي منها الكثير بعد ما تحقق خلال السنوات الأخيرة؟.
المرأة العربية لا تزال تنحت الصخر لتنال حقوقها في مجتمعاتنا الأبوية السلطوية، وما تحقق ليس إلا طرفا من حزمة كبيرة من الحقوق المستلبة من المرأة. أؤمن أنه لا يمكن إصلاح أوضاع المرأة من الأعلى إلى الأسفل، فها هي نورة الفايز تحتل منصبا رفيعا في وزارة التريبة والتعليم، ولم يساعد تعيينها على حل مشاكل المرأة المزمنة والمتراكمة في الوزارة. وفي حين تحتل النساء 20% من المقاعد تحت قبة الشورى، يبدو المشهد ممعنا في الكوميديا السوداء مع كل ما يدور من معارك في سبيل الحصول على حق مبدئي كحق قيادة السيارة أو عندما تحتاج إ
امرأة خمسينية لإذن وليها حتى لو كان طفلا غرا لتسافر!. ماتحقق حتى الآن لم ينعكس على حياة المرأة المطحونة والمقهورة، والتي تعاني الأمرين من واقع يتكالب عليها فيه الاجتماعي الثقافي مع الخطاب الوعظي، وتؤطر الصورة بأنظمة وإجراءات حكومية تغلق عليها المنافذ.
** هل ترين ان حصر المطالبات النسوية في قيادة السيارة والمطالبات الأخرى المشابهة له، فيه إضرار لمساعي تعزيز المساهمة النسوية في المملكة؟
في تقديري أن اختزال مطالبات المرأة في قيادة السيارة فيه تسذيج وتسطيح لقضية المرأة ، فهناك العديد من الإشكاليات والقضايا التي تعيق المرأة عن ممارسة حياتها بيسر ومنها على سبيل المثال عدم الاعتراف بأهليتها الكاملة وتكريس وتعزيز الفكر الوصائي عليها في كل مناحي حياتها . ولكن هذا لا يمنع أن حق قيادة السيارة حق مبدئي يكفل لها حرية التنقل ، وهدره يقف كحجر عثرة في وجه النساء ويعيقهن عن تدوير مصالحهن بسلاسة، وهو بات اليوم يضّمن بعدا رمزيا محملا بدلالات الحجر على المرأة والتعامل معها من منطلق نقص الأهلية وعدم الكفاءة وانعدام الثقة.والحملات الأخيرة الميدانية لإختراق حاجز المنع من سيدات شجاعات تستحق التقدير والإشادة كونها أزاحت وفككت الصورة النمطية عن وهم ” اجتماعية ” القضية ورمت الكرة في ملعب السياسي .
** أي التيارات الفكرية السعودية ترينها أكثر وعيا لقضايا المرأة وأكثر جرأة في التعبير عنها؟.
على الساحة السعودية تياران يتقاذفان كرة قضية المرأة وهما التيار الإسلامي والتيار الليبرالي، وكلٌ منهما يقتات على الآخر وينجر إلى المعارك الإلهائية والجدليات العقيمة التي لا تطفأ جذوتها إلا لتعود للإشتعال من جديد، حتى أصبح الأمر أشبه بمسرحيات هزلية رديئة سئمنا اجترارها. فيما يمسك بالزمام القرار الرسمي القادر على تقويض كافة الممانعات واحتوائها ، وقد حدث هذا من قبل في قضية تعليم المرأة ، وفتح مجالات جديدة للعمل أمامها ، وتعيينها في مجلس الشورى وخلافه من القضايا. أخفق الخطاب الإسلامي في تقديم حلول للمرأة المراقة كرامتها على أعتاب المحاكم في قضايا العضل والخلع والطلاق التعسفي والحضانة والنفقة التي لا تقيم أود طفل ، وتشتيت الأسر الآمنة على خلفية عدم التكافؤ في النسب والكثير مما يخل بمقاصد الشريعة الإسلامية،.. ولم يقدم إجابات أيضا لمشاكل المرأة المطحونة اقتصاديا والغارقة في الفقر والعوز المؤدي لكافة أنواع الشرور بقدر مايصعب عليها الأمور ! على الاتجاه المقابل ساهم الخطاب الليبرالي النسوي في عزل قضية المرأة عن المجتمع ، وسقط في شرك تصوير الأمر وكأنه صراع بين الرجال والنساء أو مع الذكورية ، وتورط في الانحباس في أفلاك الفئوية الضيقة متخاذلا عن تطلعات الشارع ومطالباته الشعبية ، مما ساهم في إفقاده موضوعيته ومصداقيته .
** قضايا المرأة هل يمكن ان نتحدث عنها باعتبارها قضايا المجتمع السعودي ككل؟.
هناك تواطؤ من التيارين على تصوير قضية المرأة وكأنها “كل” قضايا المجتمع السعودي ، وإن كان ذلك لا ينفي بالطبع محورية قضية المرأة وفي كونها تضمّن حمولات رمزية تتعلق بالصراع والتدافع بين اللحاق بركب الحضارة الحديثة وتبني فلسفتها ، واجترار الماضي وحراسة أنساقه الثقافية. يفترض أن يتم التعامل مع قضية المرأة كمفتاح وعتبة للولوج لكافة القضايا الأخرى المتعلقة بالحريات والحقوق، لذا من الخطورة بمكان طرحها معزولة عن قضية المجتمع ومطالبه الشعبية ، فالفصل سيؤدي بها للتشرذم والتفكك وخلق مزيدا من الصراعات التي تفرق المجتمع بدلا من جمعه على هدف بناء الوطن وتنميته والخروج به من أسر التخلف .
** على ماذا يراهن الخطاب النسوي السعودي في محاولته خلق حراك فاعل وناجز تجاه جميع القضايا التي يتبناها؟.
في ظني أنه من الضروري في وقتنا الحالي وما يفرضه من استحقاقات المراهنة على اشتراطات المرحلة وتحدياتها، وحتمية وضرورة الإصلاح والتطوير وتبني التحديثات التي تدفع بالتنمية قدما ، مما لابد أن ينعكس على تمكين المرأة وحتمية إشراكها وفتح مجالات جديدة أمامها ، وإشراع الأبواب لها للحضور الفاعل في الفضاء العام .
** التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المملكة كيف ترينها من واقع تأثيرها على المرأة؟.
يقول جبران خليل جبران : وجه أمي وجه أمتي، فأحوال المرأة ومكانتها في المجتمع ليست إلا مرآة أو إنعاكسا لأنساقه الثقافية وأحواله الاجتماعية وأوضاعه السياسية فإذا تخلف المجتمع وتكبل بكافة ألوان الانسدادات انعكس ذلك على وضع المرأة دون شك ، وإذا ما تطور المجتمع وتقدم لابد أن تحدث انفراجة في أحوال المرأة .
** هل يمكن ان نقول ان فرص التعليم التي أتيحت للمرأة السعودية، ساهمت في تكوين نخبة نسائية؟.
عمر تعليم المرأة في السعودية يزيد عن خمسين عاما ، وخلال هذه الفترة وصلت المرأة السعودية إلى أعلى المراتب والدرجات العلمية وتكونت نخب نسائية متعلمة ، ولم تستطع هذه النخب لملمة شعث أمرها وخلق حراك فاعل وناجز لعدة عوامل ، لعلّ أهمها عدم قدرتها على التجمع والتكتل في عمل جماعي تحت مظلة مؤسسات مجتمع مدني مستقلة وفاعلة كونه غير مصرح لها رسميا حتى الآن ، فالجهود الفردية عادة تفشل ويذهب ريحها .
** هل تمارس هذه النخب أي ضغوط أو تأثيرات للتسريع في حركة التحديث المجتمعي بشكل عام؟.
أصيبت النخبة النسائية في مقتل بعد الحدث الأشهر في تاريخها وهو التحرك الجماعي لقيادة السيارة في السادس من نوفمبر عام 1990 وما تلاه من أحداث ونتائج بصمت وحفرت آثارها على الذاكرة النسوية . ولعلّنا اليوم نشهد إرهاصات حراك نسوي من نوع مختلف يحاول شق أنفاسه ونحت جدار الممانعات بما نشهده من حملات متتالية ومتواترة للقيادة ، وفي بعض المباردات المدنية النسوية الأخرى.
** يقول الدكتور سعد الصويان وهو عالم انثربولوجيا بارز في المملكة ان ماضي المرأة السعودية كان أكثر إشراقا من حاضرها الراهن.. كيف ترين مثل هذه المقولات؟. ولماذا (في حال اتفاقك مع الصويان) تراجعت مساهمة المرأة السعودية في مجتمعها؟.
في ظني أن الدكتور سعد يقصد مشاركة المرأة في الحياة العامة في المجتمعات البدوية والقروية في الماضي ، ومساهمتها في دوران عجلة اقتصاد الأسرة بالعمل في مجالات مختلفة لا تستطيع المرأة اليوم مقاربتها. ويعود هذا التراجع لتمكين خطاب ديني متشدد من السيادة والتغول وفرض رؤاه على المجتمع وبرمجة العقول ، فيما لم يتم أيضا التبيئة الثقافية للتحديثات المتعلقة بالمرأة فقدمت للمجتمع مفرغة من مضامينها الفكرية وأساسيات بناينها .
** من صنع الصورة النمطية المعروفة الآن عن المرأة السعودية؟ وكيف يمكن تفكيك هذه الصورة؟.
الثقافة السائدة هي المسؤولة عن تنميط صورة المرأة السعودية ، ولايمكن تفكيك الصورة دون الاشتغال على تجديد خطاب المرأة ، وتفكيك الأنساق الثقافية المكرسة لدونيتها ، ولا يمكن أن يتم ذلك دون قرار وإرادة سياسية حاسمة؛ تُوضع من خلالها الإستراتجيات للعمل على الخطاب الديني والثقافي والتعليمي والإعلامي والاجتماعي في سبيل التأسيس لوعي مغاير فيما يتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع والتنمية .
** ماهو التأثير الذي أحدثته النساء السعوديات في المجتمع السعودي من واقع الإمكانيات والفرص التي أتيحت لهن؟.
في حدود المتاح استطاعت المرأة المشاركة في مجالي التعليم والطب بكفاءة واقتدار وأخيرا فتحت لها بعض الأبواب المغلقة لتشارك في مجالات جديدة، وهي اليوم تساهم في بناء اقتصاد أسرتها وتحسين معيشتها ، كما لها الكثير من المساهمات الناجحة في مجال التجارة والأعمال والبنوك ودوران عجلة الإقتصاد .
** وما شكل المساهمات التي يتوقع حدوثها في حال تحقق المطالبات التي تطالب بها النساء السعوديات؟.
نتيجة لشروط الواقع ومعطياته وحتمية التطورلابد أن يسير الأمر نحو تمكين المرأة عاجلا أو آجلا ، وسيكون لها حضور أكبر وأكثر فاعلية في الفضاء العام ، ولابد أن تفتح لها حقول جديدة للعمل فأعداد خريجات الجامعات في تزايد مضطرد فيما لاتستطيع المجالات الحالية استيعابهن
http://www.alqabas.com.kw/node/880680
رابط الحوار في جريدة القبس الكويتية
ملحوظة : حذفت بعض الأسئلة في الصحيفة لضيق المساحة