الشيطنة والمثلنة في الخطاب النسوي !

الشيطنة والمثلنة في الخطاب النسوي !

كثيرا ما ينتهج  الخطاب النسوي ذات المنهجية ويتبنى نفس الآليات التي يستخدمها خصومه ضده ؛ فيتورط في ثنائية الشيطنة والمثلنة – على سبيل المثال- ؛  ويستخدم ذات التعميمات المجحفة والإطلاقات المنمطة ! وهنا تتم مثلنة الذات وشيطنة الآخر ؛ والذات هنا المرأة ( بالمطلق ) والآخر بطبيعة الحال هو الرجل ( بالمطلق ) .. فيصبح الرجل والرجل فقط سببا لكل مايحل بالمرأة من ظلم وقهر ؛ ومصدرا لكافة الشرور والمصائب  ! وهنا يشحذ الخطاب النسوي عضلاته ويستأسد في إطلاق التهم على جنس الرجال بالمطلق ؛ وعلى الذكورية ” الغاشمة”  التي مافتئتت تستلب المرأة حقوقها؛ وتمضي في إيغال نصالها في الجسد الأنثوي المهضوم الاستحقاقات ؛ فتصبح الذكورية  هي السبب في حرمان المرأة من قيادة السيارة ؛ والذكورية أيضا هي وراء استلابها الاعتراف بأهليتها الكاملة ، وهي أيضا المسؤولة عن ظلمها في المحاكم؛.. وهكذا تصبح الذكورية سببا وليس نتيجة ! وذلك في تبسيط مخل وتسذيج للقضية ؛ بحشرها في خانتي الأبيض والأسود فقط ؛ وفي تغافل عن كون الرجل والمرأة- معا- مرتهنين لمجتمعات سلطوية تقمع الفردانية ؛ وثقافة تحكمها سلسلة من التراتبيات الأبوية البطركية ؛ بمختلف أنواعها السياسية والدينية والاجتماعية . فالذكورية  لم تسقط علينا كسفا من السماء ؛ بل هي إحدى نتائج تحكم تلك التراتبيات وسيطرتها على المجتمع ومنظومة علاقاته . والرجل والمرأة معا تتحكم فيهما ذات النوازع البشرية وتتصارع داخلهما دوافع سلوكية وطبائع خلقية ونفسية قد تقودهما إلى الخير ؛ أو تدفعهما للشر،وكلاهما مطالب بجهاد النفس وتقويمها وتشذيب ماأعوج منها .

المؤسف والخطير أن تبني الآليات الآنفة الذكر يحول قضية المرأة إلى عراك ممجوج وصراع عقيم بين الذكورة والأنوثة ؛ وينتزعها من سياقها الإنساني  كبوابة لحقوق الفرد المقموع والذي تشكل المرأة الحلقة الأضعف منه . وهكذا تتفتت القضية وتتشرذم ويذهب ريحها وتفقد التعاطف المجتمعي معها . وبدلا من أن تصبح قضية جامعة يرفع لواءها كل المتشوفين للحرية الطامعين في القضاء على أسباب التخلف ؛ تتحول إلى تشرذمات وانقسامات وجدليات عقيمة لا ينطفىء أوارها إلا ليعود للاشتعال من جديد .

كثيرا أيضا ما يتورط الخطاب النسوي في الانحباس داخل أفلاك المطالب الفئوية الضيقة  ؛ مما يفقده ليس فقط التعاطف بل المصداقية على حد سواء .  فالإغراق في الفئوية والتراجع عن المطالب الشعبية للشارع؛ والتي ارتفعت نبرتها في مواقع التواصل الاجتماعي ؛ يشكل حاجزا نفسيا بين عموم الناس وبين المطالب النسوية . فهل يعقل أن يتحدث الخطاب النسوي عن انجازات المرأة في مجلس الشورى  بينما ليس للرجل نفسه انجازات تذكر فيه ؛ كونه لايزال محصورا في أطر الاستشارية والتعيين بعيدا عن التشريع والانتخاب ؟!

أمل زاهد

http://www.al-madina.com/node/596085/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%86%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A.html

أضف تعليق