يا تلاميذ غزة علمونا

يا تلاميذ غزة علمونا
يبدو أن مفردتي ( العزة والكرامة ) تثيران حفيظة بعض كتاب صحافتنا الموقرين وتجعلان الدم يغلي في عروقهم ، فيرون فيهما شعارتية ممجوجة تتاجر بدماء الفلسطينين وتقتات على آلامهم ، ناهيك أنه تحت رايتهما – حسب ماورد في مقال لأحد الكتاب المعروفين -ينتعش الفاشلون من جديد فيرددون ( غزة تعلم العرب الكرامة ) وغيرها من الشعارات !! وهنا لابد من جلد الذات وممارسة ( المازوخية ) في أعلى درجاتها ، لتُلصق بالذات العربية كل النقائص ، ( فالفهم العربي لمفردتي العزة والكرامة يكاد يقتصر على معان رمزية وشعاراتية تُعنى بمقاومة عدو ما، وشيطنته والإصرار على ضربه بالعنف والقوة، بغض النظر عن النتائج ) حسب الكاتب !! .. وهو ما أسميه متلازمة كراهية الذات واستعذاب جلدها ووصمها بأشنع الصفات وأقبحها ، وهو عرض خطير يصيب الذات العربية في مقتل ،..كيف لا وهو يستهدف مشروعها الوجودي عن طريق تبخيسها وانتقاصها والحطّ منها، وصولا إلى هدرها الكامل بالتلذذ بذبحها على مقصلة الجلد ومشانق اللوم والتقريع ، حتى يصل الأمر لاستكبار واستعظام أن تتجرأ هذه الذات ( المحقّرة ) على مجرد رفع عينيها في عدوها ناهيك عن مقاومته ، لتصبح مقاومة العدو فعلا شعارتيا يستحق مرتكبه الوصم بالدوغمائية العارية من العقلانية التي تصر على ضرب عدوها بالقوة (كأن العدو يهدهدها بإنسانيته ورحمته ويلقي عليها الياسمين والزهور فتجابهه – يالقسوتها – بالعنف والصواريخ )!..وهنا لا يتساوى الضحية مع الجلاد فقط بل يتمايز عليه فهو القوي الذي يستفزه الأضعف ويضربه فيصبر عليه حتى ينفذ صبره ، وهنا أيضا يلام الضحية على مقاومته لعدوه ورفضه للظلم ،وعلى قدره المحتوم وكأنه هو من صنعه!.
إن المقاومة قدر الشعوب المحتلة وفعل ضرورة ينتج عن الاحتلال وليس العكس ، والمقاوم بالضرورة – كأحد نتائج الاحتلال- أقل إمكانيات وعدة وعتاد من المحتل ، ولا أدري كيف تُعاير المقاومة ويُستهزأ بصواريخها وتوصف بالمهترئة تارة وبالتنك والطراطيع تارة أخرى ، وهي لم تجد أفضل من ذلك لتدافع عن نفسها به ، ولم تساند لوجستيا من إخوتها العرب ؟! ..
أتساءل أين كان محقّرو مفردتي العزة والكرامة – وقد باتوا يمثلون اليوم تيارا في مشهدنا- عن أفعال العدو الإسرائيلي وانتهاكاته الإجرامية التي يمارسها آناء الليل وأطراف النهار منذ سنين طويلة ؟! لماذا نامت إنسانيتهم العرجاء وواقعيتهم العوراء عن حصار غزة وتجويعها وقطع الكهرباء عنها ؟! ولماذا اختبأت مزاعم ( الأنسنة ) وألويتها المشهرة – الآن – في جحورها الجبانة وغزة تواجه حصارها عزلاء إلا من صدرها المشدود بالعزة ورأسها المرفوع بالكرامة ؟! أين كانت أنسنتهم العوجاء عن إغراق غزة في الفقر والفاقة ومشاكل الوقود والغاز ، وحرمانها من استثمار أراضيها الزراعية، و الاستفادة من صيدها البحري ؟! أين كانت أنسنتهم عن آهات المرضى والموجوعين الذين أغلق الحصار عليهم المنافذ ، فلا استعدادت ولا تجهيزات بل شح في الأدوية وفقر في المعدات الطبية ؟! أين كانت أنسنتهم عن الاعتقالات التي لم ترحم أطفالا ولا شيوخا ولا نساء وهي سارية المفعول منذ سنين طوال ؟! أين كانوا عن ظلمة الزنازين وضيق السجون وذل الأسر وتيتيم الأطفال وتهجير الآمنين وتشتيتهم ؟! .. ولن أقول أين كانت أنسنتهم عن حق الحرية والسيادة وتقرير المصير ، فمن لا يعي قيمة العزة والكرامة في إعطاء حياة الإنسان معنى ، ومنحها زخما وجوديا متساميا وغنيا بالهدف ، فلن يدرك ما تعنيه الحرية والسيادة وتقرير المصير!.. من لا يدرك معنى العزة والكرامة كعلامة فارقة يتمايز بها الإنسان ، وكأحد الاشتراطات الوجودية لتحقيق السواء النفسي والمعنوي ، فلن يدرك معنى الحرية والسيادة التي لا يمكن أن تستوي دونهما تنمية حقيقية ثابتة البنيان ، مهما زعم (الواقعيون ) غير ذلك !
الغريب واللافت أن القصف بالكلمات التي تواجهه غزة اليوم من بعض ذوي القربى- وهو بالمناسبة لا يقل بشاعة وجرما عن القصف بالنيران – ، يقابله إنصاف وعدل من شرفاء العالم الذين راحوا يرفعون ألوية القضية الفلسطينية ويدافعون عنها ، منددين بالوحشية الاسرائلية وجرائم الحرب والإبادة في نيويورك ولندن وباريس والأرجنتين وبوليفيا وغيرهم من بقاع الأرض ! وأتساءل أليس ممعنا في الخذلان والتنكر لذوي القربى أن يصر عربي على أن ما تقوم به إسرائيل لا يصنف كجرائم حرب ، فتحاول ناشطة إسرائيلية رده إلى جادة الصواب قائلة : (عيب تكون عربي وتحكي هيك) !!أليس ممعنا في ظلم ذوي القربى أن يخرج بعض كتابنا ليصفّوا حساباتهم الايدلوجية مع حماس ، وقنابل العدو تزخ على غزة وتقطف أجساد أطفالها وترمل النساء وتذبح الشيوخ وتقتل عوائلا بكاملها وتستهدف أحياء آهلة بالمدنيين الأبرياء ؟! وبينما تثبت المحطة الألمانية الثانية بأن غزة بريئة من دم المستوطنين الثلاث وأن إسرائيل قتلتهم لتخلق ذريعة تعتدي بها على غزة ، ورغم أن اتهام حماس بقتل المستوطنين لم يثبت باديء ذي بدء أيضا، إلا أن جوقة الواقعيين العقلانيين لا تزال تتشدق باستفزاز لم يثبت ، وتستحضر تهمة لم يتم التحقق منها ! ولا تزال تقتطع القضية من سياقها التاريخي الطويل ، والقائم على احتلال الأرض وانتهاكات العدو منذ أن زرع ككيان غاصب في قلب عالمنا العربي وحتى وقتنا الحالي، مرروا بعدم التزامه بالقرارات الدولية وخرقه للاتفاقيات، ومزاعم السلام فيما يسعى للمزيد من ابتلاع الأراضي وقضم الخريطة ، .. ولكنهم لايزالون يختزلون القضية في مقاوم ضعيف يصر على استفزاز عدوه القوي متاجرا بالدماء الفلسطينة !
يصر نفس الكاتب على ربط مفردتي العزة والكرامة بداعش وبالمقاومة في فلسطين ، ثم فوضى الشوارع في بلدان الثورات العربية ، متناسيا أن طريق داعش لا يمر بفلسطين ولا يمكن أن يمر بها ، فلم يخلق ويصنع استخبارتيا إلا ليزرع الفتن المذهبية والدينية داخل عالمنا العربي لنتشرذم ونتفتت وتتحول حروبنا للداخل . ومتناسيا أيضا أن الانتفاضات العربية التي نهضت استجابة لنداءات الحرية والكرامة والمساواة والتخلص من الاستبداد، تم الالتفاف عليها واختطافها لتتحول إلى حروب مذهبية وداخلية تخدم نفس غرض التفتيت !
نعم غزة تعلمنا العزة والكرامة وتعيد لنا بوصلتنا المفقودة وتوحدنا ضد عدونا لننفض عنا التشرذم والانقسام ، وطريق لا يمر بفلسطين لايمكن أن يوصلنا إلا إلى داعش وأشبهاها من الجماعات المتطرفة .
ختاما ، يقول الطبيب النرويجي (مادس غليبرت) المرابط في غزة لمعالجة الجرحى في رسالة تدمي القلب يوجهها لأوباما : قربي من الصمود الفلسطيني منحني القوة ، رغم أني أحيانا لا أريد سوى أن أصرخ ، أن احتضن أحدا بقوة ، أن أبكي ، أن أشم وجه طفل دافيء مغطى بالدم وشعره ، أن أحميه في عناق طويل لكننا لا نملك الوقت لذلك ، ولا يملكونه هم .
بعد ذلك وقبله ألا يحق لنا أن نردد ماقاله نزار قباني ذات قصيدة : ياتلاميذ غزة علمونا ؟!..
أمل زاهد

http://www.alsharq.net.sa/2014/07/26/1193181
رابط المقال في جريدة الشرق

داعش أين تكمن العلة ؟

داعش : أين تكمّن العلة ؟
سواء قضى الطبيب السعودي ( الداعشي ) في عملية انتحارية تستهدف كردا من الطائفة السنية ، أو نتيجة قصف قوات المالكي لإحدى مقرات جماعة ( داعش ) الإرهابية خلال تواجده هناك لمعالجة كبار قادة الجماعة -كما يقول الخبر -، فالنتيجة واحدة وهي الكفر بالإنسان والاستهانة بقدسية روحه، والتحول إلى شظية متحركة وقنبلة موقوتة تستهدف الأنفس والأرواح بدلا من أن تبلسم الجراح!.أيا كانت نوعية المشاركة مع هذه الجماعة – التي تتخذ من أبشع أنواع القتل وأكثرها دموية وعنفا – وسيلة ومنهجا ، ..فهي لا تخرج عن كونها عملا إرهابيا صرفا يجافي جوهر ديننا الإسلامي ومقاصده الكبرى ، ناهيك عن مجافاته لمعاني مهنة الطب السامية وأهدافها الإنسانية النبيلة!. قصة هذا الطبيب السعودي الشاب تستدعي منا وقفة مطولة أمام الأسباب التي تدفع شريحة من شبابنا ، لتهيم على وجهها ، وتتيه في براري ( داعش ) المقفرة من الرحمة ،والموغلة في الدماء البريئة ، والعارية من إلانسانية ؟!..فماالذي يدفع شابا متعلما ناجحا يمتهن الطب لهجر الوطن والأهل والعمل ، ثم شدّ الرحال إلى حيث يخلع إنسانيته وجلده وانتمائه ، ويكسو نفسه ثوبا جديدا من الهوية والانتماء ، وماالذي يحققه له ذلك الانتماء ؟!
الإجابة على أسئلة معقدة من هذه النوعية لايمكن اختزالها في فتوى تجيشية محرضة ، أو رموز دعوية تغرر بالشباب ، فالأمر في تقديري أعمق بكثير من هذا وذاك، ولا يمكن اجتزاءه عن سياق الأزمة العربية المكفهرة منذ سنين . فقد تنكبت الدولة العربية طريق الحداثة والمعاصرة وظلت ترواح مكانها ،..فلا هي دخلت العصر ولاهي استطاعت العودة إلى الوراء !. بل ظلت واقفة على أعتابه تتوسل الماضي التليد ، وتتشبث بقراءات دينية لا تستطيع مواكبة تحديات الزمن ولاأسئلته ، فضلا على سيرورته المتسارعة . نتيجة لذلك تبنت الدولة العربية تحديثات دون حداثة ، وإجراءات دون بنيانها الفلسفي الذي تقوم عليها فجاءت مفرغة من مضامينها ، في ظل انسدادات سياسية خانقة لم تترك فرصة لمشاركة شعبية يتعمق من خلالها الانتماء ويشعر الشباب معها أنهم شركاء في الوطن وليسوا مجرد رعايا . والسؤال الأهم هنا كيف نجذر مفهوم المواطنة ونعمق الشعور بالانتماء عند الشباب ونحصنه داخليا من عواصف ( الدعشنة ) وأنوائها المتطرفة.خاصة والشباب اليوم يعاني من أزمة هوية عميقة ، فيما يعاني مفهوم الوطنية نفسه من اللبس والخطل والاضطراب ، فهناك قراءة دينية تربطه بالكفر ، (فلا فرق بين المسلم والكافر لأنهم أيضا يقاتلون من أجل الوطن ، ولا يحسب شهيدا من يقاتل فقط دفاعا عن الوطن حسب تلك القراءة).
نحن هنا أمام مرحلة مفصلية في تاريخنا ، فإما اجتراح إجابات شافية لتحديات المرحلة ، ومحاولة مجابهة الأخطار بوسائل مغايرة مستفيدين من أخطاء الماضي ، وإلا فإن الأرض ستنبت لنا مزيدا من الدواعش كل يوم ، فالحلول الأمنية وحدها أثبتت أنها غير مجدية ، ومن نوصح بالأمس ليهجر نهج القاعدة الإرهابي ، عاد لنا اليوم وهو يرفع راية الدعشنة الإجرامية الأثيمة ،ويتبنى فكر التقرب لله بالقتل والتذبيح بأبشع الوسائل !.وسنجدهم يتكاثرون ويتناسلون بيننا مادامت البيئة الحاضنة مخصبة بالتجييش التعبوي وكراهية المختلف عنا في المذهب ، والأحادية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ، ومفردات التشدد والحجر على الحريات الفردية ، وتهميش المسؤولية الفردية عن الأفعال والاعتماد على الرقابة والرقيب في المنظومة الأخلاقية. ناهيك عن احتقار المرأة وانتقاصها وتكريس دونيتها ، والنظر لها من منطلق الفتنة والغواية وكموضوع جنسي فقط، وقد رأينا من لا يتورع عن تحليل جهاد النكاح في سوريا ! ..وها نحن نشهد ونسمع في حوار إعلامي بإحدى القنوات الفضائية حالة لا أعتقد أنها -على تطرفها – تمثل حالة فردية ، بل تعبر عن فكر له وجود في مشهدنا ، .. يقذف أهالي المبتعثات ويرميهم بالدياثة ، ولا يتورع عن اتهام المحصنين والمحصنات ممن يعملون في الحقل الطبي ، ويحارب قانون التحرش ظنا منه أن القانون يضمّن الرضا بالزنا ، ويرى أن رياضة البنات في المدارس ستكون أولى خطوات التغريب والدعارة !، .. إلى آخر ما ورد من عجائبيات في حديثه الكاشف عن نوعية من الفكر الرهابي التوجسي علينا أن نحيط جيدا بمفرداته ونعي تجلياته وإفرازاته وأثاره الدامغة في المجتمع .
يوما بعد يوم نزداد يقينا أن الهوى الداعشي المتطرف يتغلغل في قلوب شريحة لا يستهان بها في مجتمعنا، ويعبر عن نفسه تارة بفلتة من فلتات اللسان ، أو بتناقض فج يبطن ما لا يظهر، فيقول لك ظاهرا أنه يستنكر أفعال داعش ويستهجن ممارساتهم ، ولكنه لا يتورع عن القول بأن قلبه يرقص طربا لما فعلوه بالشيعة في أرض العراق ! أو لا يستنكف آخر عن القول بتوجيه مدافعهم وتصويباتهم للآخر المختلف -رغم زعمه باستنكار أفعالهم- ، وكأن حرمة النفس تختلف طبقا لهويتها المذهبية ، فيما يشجع آخر على القتل والتذبيح ، ولكنه ينهى عن توثيق الأفعال بالصور والمقاطع ! بل ستجد في مواقع التواصل الاجتماعي من يصرح بداعشيته دون مواربة ، وإن كان ذلك يتم –غالبا- تحت معرفات بأسماء مستعارة ،..ولكن في ذلك دلالة على تمكن أدبيات الدواعش وتعمقها في نفوس شريحة من المجتمع ، تبطن الدعشنة وتظهر غيرها !.
مناهضة فكر الدعشنة يبدأ أولا بالقضاء على الكراهية الطائفية وتجريمها وتأثيمها ونزع القداسة ” المتوهمة ” عنها ، ونبذ الأحادية وادعاء امتلاك الحقيقة ، وتبني التعددية وتقبل الاختلاف كسنة قدرها الله تعالى على عباده .. قال تعالى : ” ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم “. وعندها فقط سنعيد لإنسانيتنا اعتبارها و لعروبتنا بوصلتها المفقودة ، بتوجيهها إلى عدونا الصهيوني الذي استلب منا أرضنا الفلسطينية . فلا يمكن قراءة وتفكيك الفكر الديني المتطرف بعيدا عن ظاهرة صعود الإسلام السياسي واستخدام نسخ شاذة من الإسلام لمصالح سياسية ولضمان أمن إسرائيل . فهاهي تسريبات عن ( سنودن ) تؤكد تعاون مخابرات ثلاث دول هي ، الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل ، لخلق تنظيم إرهابي قادر على اجتذاب المتطرفين في عملية تُسمى بعش الدبابير ، وذلك لحماية إسرائيل عبر صناعة عدو قريب من حدودها يوجه أسلحته للداخل الإسلامي الرافض له.
موجع أن تئن غزة صارخة في هذا الشهر الكريم ، فيجيبها بعضنا بالاحتراب الطائفي والتشرذم والفرقة ، بينما لايتورع بعضنا الآخر عن توجيه سياط اللوم للضحية ورفعها عن الجلاد ، وباسم ( الأنسنة ) الكاذبة تلام المقاومة في دفاعها عن قضية هي قضية وجود ، وكأن العدو الصهيوني بحاجة لذريعة ليقصف ويقتل وينتهك حرمة الإنسان !
أمل زاهد

http://www.alsharq.net.sa/2014/07/16/1180651
رابط المقال في جريدة الشرق

السؤال المغيب في مقالة خاشقجي

لعلّ أهم ما يمكن استخلاصه من المحن والأوقات الصعبة هو إحياء فضيلة السؤال والتوقف مليا أمام الأخطاء، ومحاولة مقاربة الواقع وقراءته ، واستنطاق التجارب السابقة ، واستدعاء التاريخ علّنا نصل إلى إجابات شافية . في بحر الأسبوعين الماضيين كُتبت عشرات المقالات، التي تحاول استقراء الطفرة الداعشية التي خطفت دهشة العالم بتناميها السريع وطوفانها المستعر الذي التهم نينوى والموصل على حين غرة ، وتوعد بالمزيد من القضم والالتهام ليس فقط للعالم العربي ولكن للعالم بأسره بعد أن أعلن عن الخلافة الإسلامية في أرض العراق ، بل وصلت شظايا تهديداته ومحاولاته العابثة أرض شرورة في وطننا الغالي .
ولعلّ من أهم المقالات التي كتبت في هذا الشأن مقال الأستاذ جمال خاشقجي ، الذي تساءل فيه عن الخطأ الذي أوصل العالم العربي إلى هذا الحال ، مما جعل أجزاء منه مطية في يد الجماعات المتطرفة التي تريد الصعود عبره إلى عروش الخلافة الإسلامية “الطوباوية “. أثار المقال الكثير من الأسئلة المشروعة والمهمة عن هشاشة مشاريع الدول العربية ، وتردي التعليم ، ونكوص خطط التنمية ، والاستبداد المغلف بكلمة الاستقرار المخادعة ، والطبقية المتغولة والمتوغلة بين الحكام ومن حولهم من الطبقة المستفيدة من شيوخ ومثقفين ورجال أعمال، وبين الشعوب الذين ينظر لهم كرعاع لا يستحقون ديموقراطية ولا مشاركة ، والجمود في الدين وفرض مدرسة فقهية لا تواكب العصر ولا تستطيع الإجابة على تحدياته وأسئلته ، فقط لأنها توفر للحاكم فقه السمع والطاعة .
في الحقيقة ضمّن المقال العديد من التساؤلات واللفتات المهمة التي قرعت الجرس و أثارت الكثير من التفاعلات على موقع صحيفة الحياة ، وفي مواقع التواصل الاجتماعي. ففي أزمنة الأزمات، لابد من تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية حتى لا نتردى في الهاوية ونغرق في التيه والضياع والتخبط . ولابد من محاولة تشخيص الداء أملا في الوصول للعلاج الذي ننتشل به عالمنا العربي من براثن الجماعات المتطرفة التي تقتات على الكراهية والعنف والقتل والتذبيح . فالخروج من لجة الظلمات التي يتراكم بعضها لابد أن يمر عبر الإصلاح الكامل الشامل ، والذي لابد أن يبدأ بالإصلاح السياسي ، وإصلاح الخطاب الثقافي والديني والتعليمي وأوضاع المرأة ، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وحرية الصحافة .. إلى غيرها من الإجراءات في سبيل ترسيخ دعائم الدولة الحديثة لنصل للعصر ونواكب حركته.
ما يؤخذ على المقال في تقديري هو تغييبه السؤال الأهم عن المؤامرة الخارجية ، واستهداف عالمنا العربي بمقدراته وثرواته ، واستلابه السيادة وزرع الكيان الصهيوني فيه ،وتركيزه – المقال – على استنتاج ( برنارد لويس ) في أن سبب تخلف المسلمين هو انشغالهم بمن فعل بهم هذا ، بدلا من انشغالهم بماذا فعلوا هم بأنفسهم ! وهو استنتاج مغرض يهدف إلى تبرئة الذات وإلقاء اللوم على العرب وحدهم فيما وصلوا إليه من حال متردٍ ، في محاولة لصرف النظر عما حاكه الغرب -ولازال يحيكه – من استراتيجيات وخطط لتقسيم العالم العربي ، والزج به في أتون الصراعات الطائفية والحروب المذهبية ، واستخدامه لأقذر الوسائل للوصول إلى مبتغاه!. ولعلّ أخطرها هو استخدام نسخة ” شاذة ” من الإسلام كما ورد على لسان ( هيلاري كلنتون ) نفسها ، وذلك عندما وظف الجهاد الإسلامي لينفذ حربا بالوكالة على الاتحاد السوفياتي ! ومن نافل القول أن لعنة تنامي الكراهية والتشرذم والاقتتال الطائفي حلت بداية على أراضينا العربية ، عندما عاثت أمريكا بأرض العراق احتلالا وفسادا ، بعد عقود طويلة من التعايش بين السنة والشيعة .
في تقديري يشكل إنكار وجود مؤامرة الوجه الآخر للإغراق في نظرية المؤامرة ، فكلاهما وجهان لعملة واحدة هدفها هو تبيسط الأمور وتسذيجها ، بوضعها إما في خانة الأبيض الناصع أو الأسود المظلم ، الذي يوصل حتما إلى الإجابة الأسهل !. وذلك بجلد الذات وإلصاق كل نقيصة بها مع تبرئة الآخر من جرائمه في حالة إنكار المؤامرة ، أو رفع اللوم تماما عن الذات واستعذاب دور الضحية والاستسلام السلبي المجرد من الفعل، مع تجاهل النقد الذاتي وأهميته في حالة الانجراف المطلق وراء التفكير المؤمراتي .
من الأهمية بمكان الوعي بالمؤامرة وإدراك حقيقة مايدور حولنا ، فالوعي بوجود المؤامرة وأبعادها يوقظ آليات المقاومة ومحركات الدفاع ويجعلنا أكثر تيقظا ، فلا يعني الوعي بوجود مؤامرة حتمية الاستسلام لها أو إلقاء اللوم عليها فقط وعدم تحمل المسؤولية ،.. بقدر ما يعني التحصين الداخلي الذي يقودنا إلى الخروج من قابلية الوقوع في براثنها . كما أن إنكار وجود المؤامرة تماما يقود إلى تزييف الوعي والتهاوي في “مازوخية” جلد الذات والوقوع فريسة لمتلازمة كراهيتها والتبرؤ منها وإلصاق كافة المثالب بها ، وهو عرض نفسي خطير لا يقل خطورة وضررا عن التدثر بالماضي وتبرئة الذات تماما من الأخطاء . وقد رأينا بين ظهرانينا من يجرد الحضارة الإسلامية من أية منقبة ، ويتجاهل التاريخ الإسلامي المشرق في التعايش مع الأديان الأخرى ، والذي وصفه باستفاضة سردية باذخة العربي المسيحي ( أمين معلوف ) في رائعته الروائية ( ليون الأفريقي ) . وكانت مجلة (الاكنوميست) قد حاولت أيضا توصيف الداء العربي الذي أوصلنا إلى ما نتردى فيه من تخلف وانحطاط ، بعد أن كان العرب يوما قادة الأرض كما تقول مقالة ( تراجيديا العرب .. قصة النهوض الذي طالما يتعثر ) ، ولكن التقرير يغفل تماما الدور الغربي وخطط التقسيم واستخدام الإسلام المتطرف ، والتواطؤ مع الاستبداد في حرف الثورات العربية عن مساراتها وتحويلها إلى حروب طائفية، رغم تأكيد التقرير على أن التطرف الديني هو وسيلة للتعبير عن البؤس وليس السبب الأساسي فيه .
يقول أمين معلوف في كتابه( الهويات القاتلة) أنه لا يجد أي سلف “واضح” للحركات الدينية المتطرفة في التاريخ الإسلامي ، بل هي وليدة عصرنا واضطراباته وتشوهاته وممارساته وخيباته!
الأرجح أن النسخة الشاذة من الإسلام المتطرف لن تتمكن من النجاح في تكوين دولة الخلافة ، ولكن الخطير أن حمم سمومها الارهابية قد تطال البعيد قبل القريب !
أمل زاهد

http://www.alsharq.net.sa/2014/07/08/1175273
رابط المقال في جريدة الشرق

ليالي الفرج وشجاعة البوح

بلغة عذبة رقراقة تغترف من معين الأمل والألم وامتزاجهما معا تدفقت الزميلة ليالي الفرج بوحا شجاعا في مقالها الأسبوع الماضي ؛ حيث ذهبت بقرائها إلى تخوم المعاناة وذروة تأججها ؛ بمفاجأة اقتحام مرض السرطان جسدها واختراقه لحصونها المنيعة وصولا إلى مشارف الطمأنينة والتسليم ؛ والتطبيع مع المرض بخلع أردية الخوف واقتلاع مخالب الهلع وإنزاله- المرض- منازله الواقعية الموضوعية ؛بماهو مرض ككل الأمراض الأخرى يمكن الهيمنة عليه وقهره بسلاح الإيمان والعزيمة ؛ وإرادة الشفاء القادرة بإذن الله على دحر المرض وهزيمته .

وليالي لم تكتف في مقالها بإيقاد شمعة تساهم في تهشيم الأفكار النمطية والمفاهيم المتكلسة عن مرض السرطان ؛ – بما هو فزاعة تشعل مكامن الخوف لمجرد إجراء فحوصات كما كتبت ليالي- ولكنها غاصت مع قرائها في رحلة شجاعة وشفافة استبطنت فيها ذاتها واستنطقت معاناتها لتصب خلاصة تجربتها في كبسولات مكثفة مفعمة بالتفاؤل والأمل والقدرة على تطويع الألم والمعاناة ؛ وإعادة توجيه الدفة والذات وتغيير المسار إلى حيث تصبح -هي- قائدة لا مقودة ؛ وربانة السفينة بدلا من ترك نفسها فريسة لأنواء اليأس ونهبا لعواصف مرحلة العلاج أو رهينة لتجارب سوداوية كالحة عاشها غيرها . وهنا اختارت كاتبتتا الشجاعة التجديد لها مسارا ومسلكا كما اختارها هو الآخر ؛ محولة الألم لأمل ؛ والحِمل الثقيل لحُلم بالخفة والتخفف ؛ والمحنة لمنحة استطاعت بها ومعها استشعار متع الحياة عمقا وعرضا بإعادة اكتشاف ماحولها من نعم .. بداية بذاتها الثرية وقوتها الداخلية الكامنة التي حررها المرض من مخبائها الدفينة ؛ وليس نهاية بدفء الأحبة الحقيقين والمساندة الإنسانية ، ثم مهارة الطبيب المعالج ودعمه لها في عملية التبصير بالمرض ومراحل العلاج والفقز فوق حاجز الخوف ؛ وصولا للمعرفة الواعية والقادرة دوما على استئصال شأفة الأفكار المبثوثة في المجتمع والناتجة عن تهويمات الجهل والخرافة.

تتجلى أهمية شهادة ليالي عن تجربتها مع المرض في كونها تجربة إنسانية وجودية عميقة تضيء العتمة وتكشف المسكوت عنه في حالة خيانة الجسد لصاحبه ؛ والمعاناة النفسية المصاحبة لذلك والتي قد تسحب المريض لدوامة الاكتئاب واجترار الآلام والرثاء للذات وهدرها ؛ أو قد تقوده عكسا لامتلاك ناصية نفسه والتسيد ، وقهر خيانة الجسد بالتمكن من إرادة الشفاء أولا وتطويعها لخدمة الجسد المخذول ؛ وصولا لدحر المرض فالمعركة في لبها وجوهرها معركة نفسية في المقام الأول ، معركة دفاع عن الوجود والكينونة ضد المرض والتفافاته وخياناته . إنها سيرورة وتجربة لايعود منها الإنسان -غالبا- كما كان أول مرة ؛ سواء مرت به ذاتيا أو كان شاهدا عليها في أحد أحبته ؛ تجربة وجودية ثرية ومتعددة الأوجه لها فرادتها في كل حالة “تجبرك على النهوض من وجه المكان لتُعاود البقاء في ذات الموضع بجغرافية وكيفية أخرى مُغايرة” كما تقول ليالي . تجربة يعيد المرء فيها موضعة ذاته واكتشافها ؛ ويجدد علاقته بالحياة ونظرته لها ؛ ويسائل علاقاته الإنسانية وصدقها من زيفها ؛ رحلة قد تعيد للأمور المألوفة المأخوذة على محمل الضمان والوثوق طزاجتها وألقها وقدرتها على إيقاد فتيل الدهشة ، أو قد تجر المريض إلى مهاوي اليأس والإحساس الممض بالعبث واللاجدوى . تجربة إن لم تفعل فعلها في الإنسان وتغير نظرته للأمور وتعاطيه معها وتمثله لما ومن حوله ، فلا يمكن لأمر آخر غيرها أن يفعل ذلك !.

كما تأتي أهمية هذه التجارب العازفة على أوتار البوح والمكاشفة في تهشيم ثقافة الخوف والتأسيس لثقافة المواجهة ؛ وكسر شوكة التعتيم والصمت وترهات الإحساس بالعار والخجل نتيجة للإصابة بالمرض. فضلا على كسر السائد في النسق الثقافي بالانسحاب والتقوقع على الذات عند الإصابة بالمرض توجسا من نظرات الشفقة أو خوفا من بعض مظاهر التغيير الشكلي نتيجة للعلاج وغيرها من المحاذير والمخاوف .فهنا يساهم السارد أو الساردة للتجربة ليس فقط في التعريف بالمرض والتبصير وكسر حاجز الخوف ، بل في تعبيد الطريق واجتراح مسيرة ريادية شجاعة وغير مسبوقة في ثقافته ، تقود المجتمع إلى الإيجابية في التعامل مع المرض والمرضى ، وإعادة الاعتبار للضعف البشري وذلك بالاعتراف به وعدم الخجل من تفاصيله بمشاركتها مع الآخرين واطلاعهم عليها دون مواربة أو تعتيم . فضلا على أن الشفافية والشجاعة في التحدث عن المرض وعرض تجارب ناجحة في هزيمته ، أو الكشف عن هجمات ضعف قد تنتاب المريض في رحلة العلاج والتأكيد على إمكانية عبورها وتجاوزها ، .. كثيرا ما تكون ملهمة ليس فقط للمصابين بالمرض ، ولكن للسائرين عموما في رحلة الحياة الشاقة المحتاجين دوما لنفحات من الأمل والإيمان لمساعدتهم في مكابدة مشاقها وصعابها . كما أن إخراج المعاناة من دائرة الخاص وتجاوز الذات باعتبار المعركة مع المرض معركة عامة كما هي شخصية ذاتية في آن واحد ، يساهم في خلق هدف أسمى وإعطاء قيمة أكبر للوجود والذات ، وهنا تصبح كل حالة كشف مبكر عن المرض أو انتصار عليه نصرا شخصيا يعطي قوة دافعة .

وكانت الدكتورة سامية العمودي إحدى الرائدات في رحلة المكاشفة والبوح منذ سنوات ، فقد كتبت عن تجربتها مع سرطان الثدي بشجاعة مهشمة المفاهيم النمطية عنه ، وكاشفة عن أهمية الكشف المبكر مما ساهم في التعريف بالمرض وأهمية احتوائه في مراحله الأولى ، وهي معركة انطلقت من الخاص للعام وجعلت من الدكتورة سامية رمزا شجاعا ملهما للكثير من نساء الوطن .

ختاما : أسأل الله تعالى أن يسبل ثوب الصحة والعافية على الزميلة ليالي الفرج وعلى جميع المرضى ويشدها بالقوة والثبات في رحلة العلاج .

أمل زاهد

وما أدراك ما الصحوة ؟!

وما أدراك ما الصحوة ؟!
فيما يبدو أنه صراع بين توجهين رئيسين يستحوذان على المجتمع السعودي ويوجهان مسارات التدافع والحركة فيه، تداول رواد تويتر السعوديين وسمين عن الصحوة؛ أحدهما بعنوان #السعودية _قبل _الصحوة، والآخر # منتجات _الصحوة .. في دلالة بينة على محورية مايسمى بالصحوة في حديث الساعة السعودي، وما يراد له أن يحدث من صراع ومعارك شعواء بين التقليد والتجديد أو الإسلاميين والليبراليين؛ وعلى ما ترمز له – الصحوة- بتجلياتها وتمظهراتها وآثارها على الحياة الاجتماعية الثقافية في السعودية حسب قناعة المغردين في الوسمين!
حفلّ الوسمان بانتقادات صارخة ولاذعة للصحوة والإسلام القشوري والشكلانية، ولمظاهر التشدد والتجسس على الحريات الفردية، وغياب جوهر التدين الحقيقي، وتجذير الرؤية الأحادية وتكريس الكراهية ورفض المختلف، والنظرة التبخيسية التحقيرية للمرأة، مما ارتبط في أذهان المغردين بالصحوة كمحرك فاعل ومؤثر في المنظومة القيمية المجتمعية، والذي قاد بالضرورة إلى تقويض سمات التعددية والتسامح والتلقائية والعفوية في ممارسات الحياة اليومية في مجتمعنا. كما حمل بعض المغردين الصحوة وزر كل مثلبة ونقيصة وتخلف في المجتمع، مصورين السعودية ما قبل الصحوة كجنة ظليلة ترفل في حلل من التقدم والانفتاح والقيم النهضوية كالتسامح والتعددية والنظرة التقدمية للمرأة، بل هناك من تغنى بمشروع تنويري شامل جاءت الصحوة لتجهضه وتقوض أركانه عائدة بالمجتمع إلى الوراء!
في المقابل -وفي رفض لتلك النظرة التسطيحية القائمة على اقتطاع الصحوة من سياقاتها السياسية والصراعات الدولية الكائنة في مرحلة بزوغ الصحوة واستقوائها بالعامل السياسي ثم تغولها وتسيدها ردحا طويلا من الزمن-، قام مغردون آخرون بإطلاق تغريدات لاذعة السخرية متكئين على صور (مختلقة) لمظاهر حضارية من بلدان شتى، متهكمين بالقول هكذا كانت السعودية قبل الصحوة !،..وهذا ما كنا نرفل فيه من منجزات وعلوم وتحديثات وجامعات متقدمة وخلافه حتى جاءت الصحوة لتقضي عليها وتقوضها وتعيدنا إلى “الخلف سِر”! وحقيقة لم يخلو وسم #السعودية_قبل_ الصحوة من طرافة وروح سخرية عالية تتحدث عن الحياة الأسطورية الباذخة لفترة ما قبل الصحوة، في محاولة -من خلال التهكم – لموضعة الصحوة وتأثيرها على الحياة في السعودية في مكانها وحجمها الحقيقي دون مبالغة أو تضخيم، بما هي حقبة كانت لها أسبابها ومحركاتها السياسية -داخليا -بمحاولة احتواء المد القومي اليساري القادم من مصر ، والذي نتج عنه احتضان الـأخوان المسلمين القادمين من مصر وفتح الأبواب على مصراعيها لهم ، ومحاولة احتواء المد الثوري القادم من إيران أيضا . وخارجيا بما كان لها من دور في الصراع الدولي بين أمريكا والاتحاد السوفيتي ، دون إغفال أو تجاهل لما تركته – الصحوة – من أثر اجتماعي ثقافي ساهم في تفشي ظاهرة التشدد والحد من تلقائية المجتمع واحتضانه للتحديثات وتقبله لها.
اللافت في التغريدات الطريفة بالوسم أنها صادرة من مغردين لا يمكن أن يحسبوا على التيار الإسلامي، مما يدل على وعي مختلف رافض لإقحامه في صراع التيارات ومدرك تماما لأبعاد الأمور وزوايا الصورة المختلفة، وخطورة الصراع القائم على الإلغاء والنفي على السلم الاجتماعي واللحمة الوطنية والأمن، مما رأينا نتائجه الوخيمة وآثاره في بلدان الثورات العربية. هذا الوعي يرفض إعطاء الصحوة أكبر من حجمها الحقيقي، ويحاول تفصيح الأسئلة فيما يتعلق بوجود مشروع تنويري شامل في فترة ما قبل الصحوة ، ساهمت -الصحوة -في تقويضه وهدم أركانه كما يزعم من يحملها وزر كل نقيصة! كما يتغيا قراءة الصحوة كجزء لا ينفصل عن سياقاتها في سبيل وعي أكثر شمولية، يستطيع معه إدراك وفهم ما يجري حوله من أحداث عاصفة في العالم العربي، ولماذا انحرفت الثورات العربية عن مساراتها. وهي رؤية تمحيصية قائمة على محاولة المقاربة والفهم والفرز النقدي، وهو حتمية لابد من أن تصل لها العقول الواعية المتسائلة نتيجة لاتساع دائرة التواصل وتعدد الروافد المعلوماتية .
وعودة إلى الصحوة وأثرها في التعليم ودورها في نشوء ظاهرة التشدد المولدة للتطرف، لابد من طرح أسئلة عن الحياة في السعودية ما قبل الصحوة ،.. وهل كانت على هذا القدر المبالغ فيه من الإشراق كما يحاول البعض تصويرها؟! فحتى المغردين الذين كانوا يهجون الصحوة أمر الهجاء، لم يستطيعوا تقديم صور فوتوغرافية تتعدى بعض المظاهر الشكلية للحريات الفردية في مجتمع ما قبل الصحوة. وهنا يبدو السؤال عن ماهية المناهج الدينية قبل الصحوة في التعليم مشروعا، .. وكذلك الفتاوى الصادرة عن الرموز الدينية ذلك الوقت، وهل كانت أكثر انفتاحا عن فترة الصحوة؟ ولماذا تتسم مرحلتنا الحالية– رغم انحسار سطوة الفكر الصحوي- برفض المختلف والكراهية أكثر من أي فترة مضت؟!
والسؤال الأهم ماذا أعددنا اليوم للخروج من عنق الزجاجة؟ وماذا عن غياب المشروع الاقتصادي والسياسي الشامل الذي ينتظم فيه التعليم – كما كتب الدكتور خالد الدخيل على صفحات جريدة الحياة-، : والموازنة بين دوره في التطوير والتغيير المجتمعي بما يخدم النمو والتقدم،..مع المحافظة على كيان الدولة وعلى هوية المجتمع والمحافظة على ثوابته الاجتماعية والثقافية والسياسية التي انبثقت منها الدولة كما يقول الدكتور الدخيل .
أمل زاهد

الكراهية المقدسة !

الكراهية ” المقدسة ” !
حدثني – متألما- قريبي الشاب الذي لم تفسد فطرته السليمة دعاوى الكراهية وسموم الطائفية ، بأن رئيسه في العمل بمؤسسة خاصة نجا جانبا السيرتين الذاتية لشابين فقط لكونهما من الطائفة الشيعية ، قائلا بمجرد مغادرتهما : دعك منهما فمؤسستنا لا توظف شيعة !.. في الحادثة الآنفة تتجلى إحدى الممارسات الطائفية المقيتة والخطيرة في مجتمعنا، حيث تقوض حقوق المواطنة ومعايير الكفاءة لحساب الكراهية على الهوية المذهبية !..كما تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حروب الكراهية الشعواء ومعارك ” الهاشتاقات ‘ الطاحنة التي تعيث في النفوس فسادا، حيث تنتشر البذاءة اللفظية والشتائم وإطلاق التهم على عواهنها !!،. فيما لم تتورع بعض المقولات في دهاليزها عن التكفير والدعوة الصريحة للقتل سواء بناء على الاختلاف الفكري – كما حدث في الدعوة لحز رأسيّ كاتبين-، أو بناء على الاختلاف المذهبي الذي وصل للتحريض على القتل والحرق وتدمير الأماكن والمواقع ! كما تتساقط أيضا على أجهزتنا الالكترونية قوائم المقاطعات التجارية ” الموتورة ” ضد إخوتنا في الدين وشركائنا في الوطن ، وتهويمات نشرات (الوتساب) المحملة بالأفكار النمطية الداعية للكراهية ، والتي تمرر بضغطة زر دون أن تخضع للمساءلة والتمحيص ناهيك عن الدراية والعقلنة !

في واقع الأمر انتشرت دعاوى الكراهية الطائفية منذ أن وطأت أمريكا أرض منطقتنا واحتلت العراق ، ثم تنامت وتعالت وتيرتها بعد انطلاقة الانتفاضات العربية وظهور القنوات الطائفية بخطابها التجيشي المحرض على كراهية المختلف في المذهب ! وبلغت أقصى حدتها مع الأحداث السورية وظهور الفصائل المتطرفة من أمثال داعش وجبهة النصرة وغيرهم من الإخوة الأعداء. ومع تحول المعركة في الأرض السورية إلى حرب أهلية تديرها المصالح والصراعات الإقليمية انعكس المشهد بتوتراته وانسداداته على مجتمعنا ، لنختنق بالكراهية وروائحها التي تزكم الأنوف .

تحث دعاوي الكراهية على رفض المختلف في المذهب ثم تكفيره وشيطنته واستدعاء مخزون وموروث الكراهية من بطون التاريخ ، مخرجة أبشع مافي دواخل متبنيها من عوار وبشاعة ! وبدلا من تأثيم الكراهية كدافع شعوري يقود لرفض المختلف مذهبيا ويدعو لمقاطعته -وصولا للتكفير والقتل والحرق والتدمير – ، يتم تكريسها وتعزيزها برفعها إلى منزلة التقديس !،..كيف لا وهي ترفع ألوية الدفاع عن الدين والذود عن المحرمات حسب زعمهم ، وبذلك يتم تسويغ الكراهية وتبريرها بمفاهيم نمطية لا تخضغ للنقد وإلباسها لبوسا دينيا ، وهنا تكمن خطورتها وقدرتها على التجييش والتعبئة ! نتيجة لذلك لم تعد الكراهية انفعالا طارئا تنتاب فردا شاذا منا ؛ فيحاول من حوله ردّه إلى صوابه مستنكرين ما آل إليه حاله ،!..بل باتت الكراهية بمفرداتها التشرذمية وخطابها المفتئت على اللحمة الوطنية والسلم الاجتماعي حاضرة ” مقدسة ” في مناخ ملغم مشحون ، وعلى أهبة الاشتعال عند أول ظرف تجيشيي أو سانحة تحريضية ! ومن رحم التطرف والكراهية لابد أن يولد تطرفا وكراهية مضادة ، مما يجعل المشهد برمته كمرجل يغلي على نير الطائفية والطائفية المضادة !..

المفارقة العجيبة أن تتمسح الكراهية برداء القداسة وترتدي ثوبها ، وبإسم الذود عن الدين والدفاع عنه تنتهك القيم الدينية وتنحر الأخلاق والمثل ، فعندما تتسيد الكراهية المشهد ويرتفع صوتها فلابد أن تخفت كل الأصوات الأخرى الداعية للمحبة والتعايش وتقبل المختلف ! وبإسم الله تعالى المنزه وعلى وقع التكبير والتهليل رأينا في سوريا من يجز الرقاب ويأكل الأكباد ويجتث الأرواح وينتهك حرمة وقدسية الإنسان. ففي المناخ المشبع بالكراهية والموبوء بنتن ريحها يتوارى صوت العقل ، ويرتفع صوت الغريزة ويخرج الوحش البدائي من مكامنه الدفينة ليحرق الأخضر واليابس متمترسا خلف الكراهية ” المقدسة “! ليصبح فعل الكراهية بحمولاته المحرضة على الإنسان والمفتتة للوحدة الوطنية مقدسا منزها ، فيما هو يأتي على المقدس وينتهك حرماته ، ويتألى على الله تعالى بالحكم على البشر وادعاء معرفة ما في قلوبهم ، ويفتئت على سنته في خلقه فلو شاء تعالى ما خلق البشر مختلفين .. قال تعالى : ” ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم “.

الكراهية على الاختلاف في المذهب كما أراها ليست إلا اعتراضا على سنة الله في خلقه ورفضا لها ، فيما يتعين التعايش مع الاختلاف كواجب ديني ولازم وطني يقينا شر التشرذم والانقسام ، ويساهم في الحفاظ على الوحدة والوئام داخل النسيج المجتمعي الواحد. وفيما يدعو الدين للمحبة والرحمة التي تطال كافة الخلق بما فيهم العصاة والمذنبين وغير المسلمين ، ويحثنا الله تعالى على الدفع بالتي هي أحسن ليصبح من بيننا وبينه عداوة ولي حميم .. يتم استحضار موروث الكراهية وإطلاق حممها في وجه الأخ والقريب.. وليس العدو!..

الخطير في الأمر هو تحويل دفة الكراهية إلى الداخل لترمي سهامها الطائشة الإخوة في الدين ، بدلا من توجيهها إلى عدونا الإسرائيلي الغاشم !!، ..فلم نعد نسمع عن قضيتنا الأولى ( فلسطين ) وأرضنا المحتلة ، وهو تحديدا ما يريد عدونا أن يوصلنا إليه من محو للذاكرة وتجريف للتاريخ وتطبيع مع وجوده الدخيل الغاصب.. وصولا للقبول به كأمر واقع ! ولن يتحقق له ذلك إلا بتقسيمنا وشق صفوفنا وزرع الفتن بيننا ، لنتحول إلى قنابل كراهية موقوتة على أهبة الانفجار في وجه بعضنا بعضا !.

من يزرع الكراهية لا يحصد إلا مثلها ، ومن يحارب أهل بيته فلن يرث إلا الرياح العاتية المدمرة ، ولأن الإنسان يُحمي ويتسيد بالقانون فلابد من قانون حازم صارم يجرّم الكراهية ، ويتصدى لشرورها حتى نحافظ على سلمنا الاجتماعي،. تحقيقا للمادة 12 من النظام الأساسي للحكم والتي تنص على : تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل مايؤدي للفرقة والفتنة والانقسام .

أمل زاهد

المرأة وخطاب الضد !

المرأة وخطاب الضد!
من يقارب أسئلة المرأة الشائكة في مجتمعنا؛ لابد أن يصطدم بما أسميه خطاب الضد!. وخطاب الضد خطاب يصدر من المرأة ضد المرأة ؛ فتمارس نفياً وإقصاءً لذاتها ورفضاً لحقوقها قد يتفوق على الرفض الصادر من أباطرة الممانعة أنفسهم !. وهنا تستميت المرأة وتستأسد لتبقى الأحوال على ما هي عليه لتشكل أمنع حائط صد في وجه بنات جنسها وحقوقهن المبدئية؛ كونه فعل مقاومة يصدر من الذات ضد الذات ويحارب بضراوة وشراسة في سبيل المراوحة والبقاء؛ متشبثاً بإعادة إنتاج النسق الثقافي ومتشرنقاً على العادات والأعراف! هذا الخطاب الصادر من المرأة والمناوئ للمرأة يضع في أذنيه وقراً عن حاجات المرأة الآنية؛ ولا يلتفت لاشتراطات الواقع وتحديات الزمن ولا لزومية اجتراح إجابات جديدة تساعد المرأة على احتواء ما استجد من إشكاليات فرضتها سيرورة الحياة ؛ .. فلا الزمن يعود للوراء ولا عجلته تسير عكس عقارب الساعة !.وهنا تتشكل هوة عميقة بين الحياة المادية بتطورها وتحديثاتها؛ والثقافة -بما هي مجموعة القيم والعادات والمفاهيم- كثابت يرفض الإزاحة والتحرك؛ فيما يفترض أن يكون متغيراً يتسم بالمرونة والتمدد في الزمن ليتمكن من مواجهة التحدي ومواكبة الواقع!
وهنا ستسمع من سيدات يتربعن على سدة الأكاديمية من تنادي بعودة المرأة إلى البيت خوفاً على ضياع قوامة الرجل، أو ربط عملها بالضرورة القصوى، في ازدواجية عجائبية تأتي الفعل وتنهى عن مثله وكأنما هو حلال عليها حرام على غيرها ! أيضاً وفي استعلاء طبقي وتجاهل تام لكون عمل المرأة بات ضرورة اقتصادية لا مفر منها لتحقيق كفاف العيش عند كثير من الأسر ؛ تمانع أخريات في سن قوانين ضد التحرّش تحمي المرأة العاملة وتوفر لها بيئة عمل آمنة، بزعم أنها تشرعن للاختلاط !! بدلاً عن تنمية ثقة المرأة في نفسها ووعيها بذاتها، ومساعدتها على التحصين الداخلي ورفع حس المسؤولية الفردية ، ثم دعم كل ذلك بقوانين تتسيد فيها المرأة في محيط عملها. ستجد أيضاً من تختلق القصص عن سأم النساء الغربيات وضيقهن بالحرية، أو تستحضر الإحصاءات لتثبت لك أن الغرب الكافر حافل بقصص العنف وحوادث الاغتصاب نتيجة للاختلاط، متغافلة عن قوانين الغرب الصارمة في التعاطي مع هذه الأمور ، ومتناسية أنها تتخذ عدوها مرجعية عند التقييم والمقارنة في استلاب «خفي» للغرب «الكافر» ؛ بدلا عن دراسة أحوال مجتمعها في سياقاته باستقلالية والخروج بحلول تنبع من حاجاته وأسئلته! ولعلّ العجب العجاب يكمن في أكاديمية ترى أن هامش الانحراف الفكري لدى المرأة وارد كونها ناقصة عقل ودين!. ولكنها تنسى أن تقول لنا لماذا ينحرف الرجل كامل العقل والدين فكرياً ويتخذ الإرهاب طريقة ؟! ولماذا اقتطعت وصف ناقصة العقل والدين من الحديث ومن الطرح الإسلامي الكلي ورؤيته عن المرأة ؛ لتكرس به صورة نمطية معينة تخالف مقاصد الشريعة في العدل والمساواة ؟!
يتغافل خطاب الضد عن الفقر المدقع ونتائجه الكارثية الجالبة لكل الشرور، وعن الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة نتيجة لتكريس أوضاعها المتدنية، وربطها بحبل الفكر الوصائي في كافة مناحي حياتها، كيف لا «وهي الضعيفة العاطفية المنقادة لمشاعرها»، وهي «التابعة غير القادرة على الحسم والعزم» فكل ذلك من أخلاق الرجولة وليست من أخلاق النساء حسب زعمهم، وبناء على الصورة التي ترسخها الثقافة!! ولا أدري كيف نطالب بعد ذلك المرأة بالقوة والعزيمة والحسم والشجاعة ونحن نكرس فيها هذه الصورة المتدنية عن ذاتها ؟!
في حقيقة الأمر يعمل خطاب الضد في سياقين، يبدوان منفصلين ولكنهما يلتقيان في ملامح ومآلات متشابهة، فيندرج تحت خطاب الضد تسليع المرأة وتحويلها إلى جارية من جواري القرن الواحد والعشرين، تستمد قيمتها ووجودها من شكلها ومواصفاتها في سوق العرض والطلب! وتتحول إلى سلعة لا هم لها ولا هدف إلا التسابق المحموم في عالم التجميل والنفخ والشفط وخلافه من القضايا التي تنفق فيها بعض النساء ثروات طائلة وتدخلهن في ما يسمّى بعبادة الجسد. يندرج تحت خطاب الضد أيضاً مقولات ظاهرها صالح قضية المرأة، وباطنها حرف قضيتها عن مسارها بتحويلها إلى صراع مع الذكورية أو بين النساء والرجال، بدلاً عن وضعها في سياقاتها كبوابة لقضية الإنسان، وكمحرك فاعل لقضايا الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية،.. أو بتزييف الوعي وتحويلها إلى صراع بين تيارين كل منهما يعتاش على الآخر بينما حقيقة الأمر تتجلّى في الأبويات المتحكمة في المجتمع التي تتخذ من قضية المرأة ورقة ضغط تسخرها حسب مصالحها. قد تخرج مقولات الضد أيضاً من عمق طرح صحفي يتبنى الحداثة والدفاع عن المرأة ؛ فيما هو يكرس صفات الغواية والفتنة والمكائد والأنثى المتسربلة بالضعف التي تستطيع التغرير بأشد الرجال بوسائل ملتوية؛ وهي صفات ترسخت عبر الثقافة الشعبية يفترض على الوعي النسوي تفكيكها لا تجذيرها.
يتغلغل خطاب الضد في العقل الجمعي واللاوعي النسائي العربي نتيجة للتنشئة الاجتماعية متمثلة في مؤسسة الأسرة أولاً؛ ثم يأتي دور باقي المؤسسات الأبوية السياسية منها والدينية في تكريس البنى المكرسة لتبعية المرأة وعدم استقلالها في الفكر والرأي.
الوعي بالذات وكمال صنع الله في المرأة وبالمعنى العميق للحرية هو أول الطريق لتفكيك خطاب الضد في سبيل خلق امرأة مستقلة وفاعلة.
أمل زاهد
http://www.alsharq.net.sa/2014/05/20/1145426

نظام البصمة ومعاناة المرأة في المحاكم

نظام البصمة ومعاناة المرأة في المحاكم!
حسب وكالة (واس ) دشن وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى في المحكمة العامة بالرياض نظام التحقق من البصمة أمس الأول الأحد ؛ وأوضح أن تطبيق البصمة في المحاكم وكتابات عدل جاء ليقضي على انتحال الشخصية ورفع الحرج عن المرأة والعاملين من قضاة وكتاب عدل وأعوانهم في السلك العدلي . وبهذا التدشين يفترض أن يسدل الستار على مهزلة ومعضلة المعرفيّن والمزكّين ومايسببه ذلك للمرأة من حرج ولمعاملاتها وقضاياها من تعقيدات وتلكؤ طال أمده ردحا طويلا من الزمن ، وكان سببا في هدر الوقت والجهد للمرأة والحاضرين معها كمعرفيّن ومزكيّن من جهة والعاملين في سلك القضاء من جهة أخرى ، كما كان سببا في انتحال الشخصيات والتزوير وخلافه من القضايا المضيعة لحقوق النساء. وكانت قد حكت لي إحدى السيدات عن معاناتها الأسبوع الماضي في المحكمة الرئيسية بالمدينة المنورة ؛ حيث قضت ثلاثة أيام متتالية تعطلت فيها أعمالها وتبدد وقتها هي وابنتاها وثلة المعرفين والمزكيين الحاضرين معهن ؛ وذلك لإصدار صك إثبات حياة!!، وإثبات عدم ارتباطها بعقد زواج أو وجودها على رأس وظيفة لتتمكن من تحصيل تقاعد زوجها المتوفي . أما صك إثبات الحياة لإمرأة حية ترزق لم تثبت وفاتها بشهادة في الجهات الرسمية فهو لعمري من عجائب وغرائب خصوصيتنا الخاصة جدا ! ولا أدري لماذا تحرم أرملة من راتب زوجها التقاعدي إذا كانت موظفة ، فيما يفترض أن يعينها راتب التقاعد مع راتبها على تسيير أمور أسرتها ؟!ولا أدري أيضا لماذا تُشغل المحاكم -التي تعاني أساسا من قلة عدد القضاة – بهذه النوعية من القضايا ، في حين يمكن احتواء هذه الأمور والإجراءات في كتابة عدل ؟!
أقول أنني آمل أن يسدل الستار على قضية معرف المرأة في المحاكم لأن واقعنا المؤسف والمحزن أثبت أنه لا يكفي إصدار قانون أو إقرار تحديث ؛ بل لابد من متابعة تفعيل النظام وآلية تنفيذه حتى لا تتبلعه رياح التردد والتوجس أو تقرضه بيروقراطية التنفيذ ، وهنا لا بد من الحسم والعزم في آلية التنفيذ حتى لا يترك مجالا للمترددين والمحجمين أو أولئك الذين يهوون تعقيد الأمور على النساء والتضييق عليهن في كل أمر. وهنا أضم صوتي لصوت المحامي والمستشار القانوني جاسم العطية الذي اقترح بصحيفة ( الوطن ) بتاريخ 7\4\2014 أن يرفق نظام البصمة بقرار حاسم يوجه لكافة القضاة بوجوب تطبيق القرار الخاص بقبول المرأة داخل المحاكم دون معرف بعد التأكد من هويتها عن طريق البصمة، ..وأزيد هنا أيضا ضرورة معاقبة كل من يخالف الأمر . كما آمل أن يضع هذا النظام حدا لهدر حق المرأة المدني في رفع القضايا دون إذن ولي أمرها ، والذي كان باعثا ومسببا لوقوع الكثير من الظلم على المرأة ، فكيف تشكو الفتاة وليا يعضلها أو زوجا يعنفها وهي مرتهنة لسلطته عليها ؟! وكيف يمكن رفع الظلم عنها إذا لم تعطَ حق رفع القضية متحررة من سطوة الولي الظالم عليها ؟! وكنا قد رأينا كيف تتحول قضايا العضل في المحاكم بنظرة متعسفة منحازة وحكم جائر إلى قضايا عقوق !!..
وفي الحقيقة قضية معرف المرأة ليست إلا طرفا في حزمة كبيرة من القضايا التي تراق فيها كرامة المرأة في المحاكم وتتعرض للظلم وهدر الحقوق في قضايا العضل والخلع والطلاق والحضانة والنفقة التي لا تقيم أود طفل ، وتشتيت الأسر الآمنة على خلفية عدم التكافؤ في النسب والكثير مما يخل بمقاصد الشريعة الإسلامية !
وكان الدكتور عبد العزيز الصويغ قد كتب في جريدة المدينة عدد 18638 عن الرسالة المؤلمة التي وصلته من قريب امرأة عشرينية تقدمت بقضية لخلع زوجها الذي نقل لها أمراضا جنسية نتيجة لاستهتاره وانجراره وراء شهواته ، فما كان من القاضي إلا أن حكم بالخلع مع رد مهر الزوج وكأنما هو يكافأه على فعلته النكراء!، بدلا من تعويض المرأة عن الضرر الواقع عليها وتدمير حياتها!.وفي مجتمعنا عشرات القصص التي يساوم فيها الرجال النساء على الطلاق ، ويضيقون عليهن الخناق ويسيئون معاملتهن ليدفعوهن دفعا إلى الخلع ، ناهيك عن لي ذراع المرأة بسحب حضانة أطفالها إذا ما كانت هي المبادرة بطلب الطلاق ، مما يجعلها تبتلع الظلم الواقع عليها وتصبر على سوء أحوالها خوفا من حرمانها من حضانة أطفالها . وحسب صحيفة سبق الالكترونية بتاريخ 1 \ 4 \ 2014 أكد مختصون أنه رغم وجود المادة ” 75″ من نظام التنفيذ القضائي والتي تنص على عدم إلزام الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية جبرا ، إلا أن هناك بعض القضاة يجتهدون ويحاولون إرجاع المرأة من باب الإصلاح ، وهنا يلجأ ضعاف النفوس من الذكور إلى استغلال الموقف ، لينغص عليها عيشتها فتلجأ للخلع وتضيع عليها بذلك حقوقها ، وتضطر للدفع لتحصل على طلاقها!.
ماسبق ليس إلا غيضا من فيض واقع المرأة في المحاكم وبعض من الظلم الواقع عليها ، وأتساءل ألم يئن الأوان بعد لتقنين الشريعة في قضائنا بدلا من الارتهان للأحكام المتفاوتة والمفارقة – أحيانا – للمنطق في حالات تتشابه فيها المعطيات والحيثيات ؟!
لاشك في أهمية الخطوة المعتمدة بإنشاء محاكم للأحوال الشخصية في مشروع تطوير القضاء ، ولكن الأهم منها هو اعتماد مدونة أحوال شخصية تحفظ للمرأة حقوقها وللأسرة مصالحها تحت ظل قانون مستمد من الشريعة الإسلامية يسير الجميع وفق بنوده ومواده ، عوضا عن الاستمرار في الارتهان لرؤية بعض القضاة المنحازة لنسق ثقافي يرى الحق مع الرجل حتى لو كان ظالما أو متعسفا ؟!
أمل زاهد

عبثية الشخصنة في صراع الأفكار

عبثية” الشخصنة” في صراع الأفكار
أرى أنه من المستحيل هز القناعات وتفكيك المفاهيم النمطية القارة في العقول عبر الشخصنة والتبخيس أو السخرية !.. فالقضية أعمق من ربطها بأشخاص بعينهم يتم تناولهم بمعاول السخرية ، أو إطلاق سهام الكلمات العدائية والأوصاف المتشجنة عليهم لكسر هيبتهم !. كما لن يجدي كثيرا حتى توجيه فوهة المدفع على أخطائهم وتناقضاتهم لتقويض فكر التشدد وهدم مقولاته !.فتناول الأمر من باب الشخصنة والتسقط وتصيد الأخطاء لن يحلحل إشكالية الفكر المتشدد بل سيساهم بتغذيته ورعايته، وسيقوي من تشبث مريديّ الواعظ بأفكاره، بتصويره لهم على هيئة المظلوم ” المستهدف” الذي تأتيه نبال التقصد من كل جانب . وهنا سيغمض المريد عينيه حتى عن الأخطاء والتناقضات التي قد يكون لمسها ورآها رأي العين ، وسيستأسد للدفاع والمنافحة عن فكر شيخه وسيجد له المبررات والمسوغات ! نتيجة لذلك لن يجد من يشخصن القضايا أرضا خصبة لبذر أفكاره إلا عند من يشابهه أو يماثله ، ولن يستطيع رمي حجر السؤال في عقلية نمطية أو ذهنية تتمترس وراء مقولات الممانعة ، فالشخصنة تجرد المرء من الموضوعية والتحيز الفج يعريه من مصداقيته .
وهكذا يختزل المشهد للأسف في الصراع بين الأشخاص وتياراتهم ، واستهدافهم بعضهم بعضا في تأزيم للأجواء المحتقنة أصلا بالتصنيفات والحروب الشعواء والاتهامات والتفسيق والتبديع من جهة والاستعداء والتحريض على إخراس المخالف من الجهة الأخرى ، بدلا من الصراع المشروع بين الأفكار والتجاذب والتدافع الصحي بينها ، لتثبت النافعة منها قدرتها على البقاء والاستمرار بما تتضمنه من فائدة للإنسان وقدرة على مواكبة واقعه والإجابة على أسئلة عصره ومواجهة تحدياته .
ناهيك أن ربط إشكالية التشدد بأشخاص فقط وهدر سياقاتها السياسية والثقافية يسطح القضية ويسذجها ويزيف الوعي ، فبنية الفكر المتشدد لم تسقط علينا كسفا من السماء ، بل فُتح المجال لها لتتغول وتتسيد وتبرمج العقول عبر أقنية متعددة -على رأسها التعليم- ردحا طويلا من الزمن نتيجة لاعتبارات ومصالح سياسية آنذاك . وفي واقع الأمر لم تكن الصورة وردية تماما أو بذلك الزهو والإشراق أيضا قبل ما سمي بالصحوة ، وإن كان المجتمع قبلها أكثر تقبلا – نسبيا – للاختلاف ومفردات التحديث ، كونه كان متخففا من ثقل الإيدلوجيا متحررا من حمولاتها -إلى حد ما- مما جعل تصرفاته وسلوكياته أقرب للتلقائية والعفوية مع المرونة اللازمة لتدوير المصالح . حتى الموقف من المرأة لم يكن أيضا بذلك الإشراق قبل الصحوة ، فغني عن الذكر مالقيه تعليم المرأة من ممانعات تشي بحقيقة الموقف من المرأة والمهاد الثقافي لرفض تعليمها والتي وثقها الدكتور عبد الله الوشمي في كتابه الجميل ( فتنة القول بتعليم البنات ).
فقد كان لبنية التشدد المهمشة للمقاصد الكبرى للشريعة حضور في موروثنا الثقافي والأفهام الدينية ( البشرية ) المتعاقبة للنصوص، كما كانت هناك تمظهرات للتدين الشكلاني والتمسك بالتفاصيل القشورية منذ بداية نشوء المدارس الفقهية وتأثرها بالسياقات والصراعات السياسية الكائنة ذلك الوقت وبذلك همشت القيم الجوهرية كالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة . وفي قناعتي أن خاصية التشدد موجودة في كمون وخمول داخل الجسد البنيوي للفهم الديني ، حتى تأتيها اللحظة البرجماتية المواتية لتوظيفها وتمكينها من التسيد والهمينة والظهور من جديد ، وهنا لابد من العودة إلى جذر الأمر وأصله في الموروث الثقافي إذا ما رمنا تفكيكا للفكر الذرائعي المضيق لدائرة المباح .
تقويض الفكر المتشدد وهدم مقولاته وتفتيت أدبياته لن يتأتي إلا بفتح الباب على مصراعيه لفكر وفهم ديني مغاير، يقارعه وينازله وينحت تراكماته في الذهنيات وماران منه على العقول مما يتطلب عملا طويلا واشتغالا دؤوبا وتمكينا لهذا الفكر ودعما رسميا له على كافة الأصعدة التعليمية والإعلامية والثقافية والاجتماعية. والتخلص من إرث الأحادية وعدم تقبل الاختلاف والمفاهيم النمطية المعيقة للنهضة لا يكون إلا عبر الفكر ، والحفر العميق والهاديء في البنى الفكرية والأنساق الثقافية ، والسماح للأفكار الجديدة الشجاعة بالتحرر والخروج من معاقلها ، وذلك بتشجيع حرية التعبير عن الرأي بعيدا عن الحجر على الأفكار والتخويف من تداول ماهو خارج عن السائد من الفهم الديني ” البشري ” ، وبعيدا أيضا عن الحجر على الفكر المخالف الذي يجب أن يجد القناة المدنية للتعبير عن رأيه حتى لا يحتقن المجتمع حفاظا على السلم الاجتماعي .
تجديد خطابنا الديني هو اليوم من ألزم اللزوميات ليس فقط للخروج من إشكالية التطرف والارهاب والدعوة للنفير العام والتجييش والتحريض المذهبي وإقحام شبابنا في حروب بالوكالة ، بل لإحياء روح النهضة في الدين واللحاق بركب العصر والانعتاق من أسر التخلف، ولحماية الأجيال الجديدة من الموجات الإلحادية التي تجد بيئة خصبة عند شباب سئموا من خطاب لا يواكب زمانهم ولا يجيب على أسئلتهم الملحة ، وملوا من إغراقهم في الماضوية وجدليات تجاوزها العصر ، مما يجعل منهم لقمة سائغة لمن يستهدفهم ومجرد ردود أفعال فاقدين للحصانة والمناعة الذاتية !
أمل زاهد

جدلياتنا العقيمة وهدر الفكر

جدلياتنا العقيمة وهدر الفكر
قامت الدنيا ولم تقعد نتيجة لتوصية مجلس الشورى بإعتماد ماسمي باللياقة البدنية في مدارس البنات ، فاستنفرت الجهود واستنهضت الهمم وشمر عن السواعد لمنع المحاولات التغريبية والمؤمرات الليبرالية لإفساد الفتيات وهتك سترهم وتعرضهم لخطر الرياضة ، وما أدراك ماخطر الرياضة وما يحضر في معيتها من شرور مستترة ومفاسد مخبوءة!. وكأن شيوخنا الأفاضل لايعنيهم شيئا من قضايا الأمة والوطن إلا المرأة ولباسها ورياضتها وقيادتها وعملها وخروجها ودخولها !..وهنا لابد من اجتراح فتاوى ذرائعية تقطع على التغريبين محاولاتهم التآمرية ، حتى أصبحت فتاوينا العجائبية حدثا تندريا عالميا يستدعي رسم الكاريكترات الساخرة وصناعة النكات والقفشات في عالم صار أبعد مكان فيه على مرمى ضغطة زر أو نقرة فأرة !.. وهل نستطيع لومهم وجدلياتنا وأحداثنا الجسام تبدو خارج التغطية وأطر التاريخ والجغرافيا ، وكأنها تصدر من أبعاد زمن سحيق غائر في الماضوية ؟!
في المقابل أيضا شحذت سيوف الأقلام ودبجت المقالات تلو المقالات ردا على المحاولات الإحتسابية والفتاوى الغرائبية واستحضرت مناقب الرياضة وفوائدها ، ونسبة سمنة السعوديات ، والدفوع الدينية لحدود المباح والمتاح ، في مشهد صحفي شبه جماعي تتكرر فيه تقريبا نفس المقولات وإن بأساليب مختلفة ! .. حتى ليظن الناظر أنه لم يتبق لنا مشكلة عصية على الحل أو قضية إلا قضية رياضة البنات -أو بالأحرى لياقتهن- في مشهد هزلي عبثي أصابنا بالتخمة على كثر تكراره وتواتره في مشهدنا كلما جد أمر وخاصة فيما يتعلق بأمور المرأة . وكأنما هناك تعمد وتقصد لاختزال قضايانا وإشكالاتنا في المرأة ، فمنها تبدأ وتولد الإشكاليات ثم تمر بها وصولا إليها أيضا ، وهنا يتورط الخطاب الصحفي أيضا في إشغال المشهد وإعادة إنتاج العبث !.. ولعلّي لاأبالغ حين أقول أنه قد كتبت عشرات المقالات في بحر الأسبوع الماضي تتحدث عن ذات الموضوع ، -وحقيقة – سئمنا ومللنا من استنساخ وإعادة إنتاج ذات السجالات والجدليات العقيمة ، فما يحدث ليس إلا هدرا للفكر واستنزافا للطاقة في أمر وحده السياسي من يحسمه ! .وأثبت لنا مرة بعد مرة قدرته على احتواء كافة أنواع الممانعات بجرة قرار ملزم ، تصمت بعده كافة الأصوات المعارضة!،.. ولعلّ آخرها قضية تغيير إجازة الأسبوع إلى يومي الجمعة والسبت والتي حدث عليها لغط كبير وسجالات عقيمة ماتت برمتها بمجرد صدور القرار الرسمي!. فلماذا نستنزف كل هذا الوقت والجهد في الرد والرد المضاد ، أم أن هذا هو حدود المتاح والمسموح به في نقاشاتنا ؟!
تتحرك المجتمعات عادة من خلال تزاحم الأفكار وتدافعها وصراعها من أجل البقاء ، وحركة الصراع ضرورية ولازمة في عملية الدفع بالأفكار غير المنتجة والعقيمة إلى المقابر ، وتبني أفكارا جديدة تساهم بدفع المجتمع إلى الأمام ليواكب حتمية التطور وصيرورة الزمن وحيثيات الواقع . فيما لايبدو أننا قادرين على الخروج من متاهات جدلياتنا التي تستهلك كل قوانا وجهودنا لنعود إلى المربع الأول كل مرة ، وعلى أحسن تقدير قد نرواح مكاننا لنعيد إنتاج مشهد الكوميديا السوداء بحذافيره . وفي تقديري أننا لنخرج من هذه الدوامة الجدلية العبثية علينا أن نقرر هل نحن دولة مدنية في القرن الواحد والعشرين تتبنى التحديثات التي تدفع بالإنسان قدما وبالمجتمع في طريق التنمية ، أم نصر على التنقيب في دفاتر الماضي ونمارس لي عنق كل إشكالايتنا -التي لا علاقة لها بالدين- ، لنلبسها ثوبا دينيا ثم نبحث لها عن دفوع محللة من جبهة القبول أو فتاوى محرمة من جبهة الرفض لنعود مرة بعد أخرى لذات المربع الجدلي !. فهل نحتاج فتوى على سبيل المثال لنركب الطائرة أو لنتعالج في المستشفيات أو لنتعلم في الجامعات ، فلماذا نحتاجها في أمور بدهية لا تستدعي كل هذا الجدل والنقاش ؟!فالواضح لا يوضح ولا يحتاج إلى إعادة تفسير وتأويل ، وإلا غرقنا في محظور نفي البراءة التي هي الأصل في الأمور . ولماذا تأخذ قضايا المرأة دوما أبعادا دينية حتى في الأمور التي لا علاقة لها بالدين ، والتي ران عليها إرث العادة وشوائب التقليد وغبشه؟!
إلباس التحديثات المتعلقة بالمرأة لباسا دينيا يردنا إلى الدفوع والدفوع المقابلة ، وسيتوكأ دوما حزب الرفض على الفهم الديني لعصور سالفة تخرج من عباءة أنساق ثقافية قديمة ليدعموا ويعززوا حجتهم ، بينما سيتمترس حزب التجديد بفهم ديني تجديدي وتأويل مختلف ليقوي دفوعه ! فيما يتحتم أن يبقى الأمر في حدود صفته وصورته الواقعية ، بما هو مستجد فرضته الحياة الحديثة وحركة الزمن المتطورة بعيدا عن إشكالات الفتاوى والدفوع الدينية المناهضة والأخرى المنافحة. بل إن الإصرار على ربط كل تحديث متعلق بالمرأة بتأكيد ( وفق الشريعة الإسلامية ) سيضمّن في الخطاب المسكوت عنه إمكانية واحتمالية حضور ماهو ضد الشريعة الإسلامية ، وهنا تستنفر كل الحواس الدفاعية في اللاوعي لمد الجسور الذرائعية منعا لما قد يحدث مما هو مخالف للشريعة .
فيما تقع على الجهات الرسمية مسؤولية تنقية خطاب المرأة من مفردات الدونية والتبيئة الثقافية لحقوقها المهدرة ، مما يحتاج إلى جهد كبير وإرادة سياسية حازمة تشرع الأبواب للاشتغال على الخطاب الثقافي والإجتماعي والتعليمي والإعلامي ، وقبل كل شيء تفكيك دونية المرأة في الإجراءات والأنظمة الرسمية والتعامل مع المرأة من منطلق كمال الأهلية بعيدا عن التمييز .
أمل زاهد